لديَّ حساسية مُفرطة من الكذب و من "اسْتخليط"، تطورت مع الزمن لتصبح حالة مُزمنة..
"المِستخلط"...الذي هو خليط مركّز من شخصيات تنكُّريّة، مركّبة على شكل أنفاق مُعْتمة،.. وغير مريحة، له حَسنة واحدة، وهي أن التعامل معه يعادل حِصصًا من الملاكمة الذهنية ،... يُحافظ العقل معها على لياقته العصبيَّة بالدّوران - كرأس مروحية - بين الغامض والمبهم، والرّمادي والأسْود بقفزات ارتدادية.. لقد وُجد لِنحْمد للطيبين نقاءهم.
أعشق النفوس المضيئة، التي قد قضَى منها النّور وطرًا، و حدودي مع "المِستخلَط" أن أفْهم، والغاية أن...أسْلَمَ.
"المستخلط "، شخص من جيوب عديدة رائحتها غير زكية غالبا.... معتوه نفسي، يليق به أن يُصنّف "خَطَر" باللون الأحمر.
أما الكذّاب؟... فحسنته الوحيدة اجتهاده في تعرية سيئته.
لا أحتمل الكذب.. ولا أطيق من يوفِّر ما بين فكّيه مهجعا آسنا لشتات الرذائل، بباب مشرع على كل النقائص..
ننْساق مع روايات الكذّاب من منطلق حسن الظن به، نتعامل مع كذبته الأولى، ثم كذبته الثانية الضرورية للإبقاء على حياة كذبته الأولى، ثم يمينه الغموس المثبِّت للكذبتين، ثم مع تَبِعات هذه الدَّنايا: إفك، نميمة، تقوُّل، شحناء، مدابرة....فقطيعة رحم! ... والزّائف يتفرج بسادية على وقع أفعاله علينا.
محاصرون بالكذب والنميمة في القول والمعاملات والمجاملات والمكايدات والمدابرات، وبكميات ملوِّثة و خانقة... فمِلّة الصّدق تُحتضر...
كوكتيل بنكهات متعددة، يمارسه الطفل بالعدوى، و الكهل بالتَّعوُّد، يعنو لعَرَضٍ من الدنيا، كذب بِنيّة التلميع، وكذب بتحامل، وبسوء نيّةٍ للتقريع ... ولا يتدبَّرون أنه في كلتا الحالتين..قد " أحْصاهُ الله ونسوه " ... سُجّل وحُفظ جيّدا ليوم العرض.
يَجري الكذب في فم البعض طُلقا حتى يكذب على نفسه، فيراها بألوان خادعة.. وهو أسوأ أنواع الكذب،... و يكذب البعض على الناس ويُصَدّق كذبه حتى يتوهمه يقينًا، فيعيشه واقعًا.. وهو أسوأ أنواع المرض، (السيكوباتية)...
و يُسْلِم البعض عنان لسانه النّفاث لشيخه الشيطان، الذي سبق وراهن بثقة المتمرِّس عليه، فأقسم بعزَّة الله وجلاله ليغويَنَّه،... وفَعلها، غير أن "الشيطان" بُهت من مستوى الاستجابة الوطنية لتلك الغِواية .. فالقطعيّ أنَّ إبليس فخور بموفور حصائد ألسنة مُريديه من أهل موريتان... وبتعدد مواسم الحصاد.
زهّدني الكذب والنفاق في صداقات عزيزة وقرابة أعزّ، تَصرَّمت، بعد أن أرهقهم طول الانتظار على رصيف سمعي المغلق،.. فقد سئِمت احتمال تقويم ألسنتهم، وهذيانهم وسئموا احتمال تكيّفي ..لقد تَعطّلت لديّ كل آلية يُحتمل أن تعمل كمستقبِل للافتراء والأوهام، باسم الودّ أو التَّمدن،.. أيّامي لم تعد بها مساحة زمنِّية ولا وجدانية تقبل بالتَّحايل على هيبة الصِّدق أو التنكيل بكبرياء الحقيقة والصدق مع الذات....
إن الدّرب الرابط بين أذني وعقلي ضاق كثيرا عن نفايات ألسن معقوفة، وكلمات يخجل شرف حروفها من كثرة الترويج المبتذل، ... أحجز سَمْعي للأوتار الدَّافئة، للأصوات الجذْلة، لِكَلام برائحة شهيّة، للكَلِم الطّاهر المكنون، ولجوامع الكَلم...، نقطة، وسأتَريَّث في العودة إلى رأس السّطر.
المؤسف أنه مهما أورقت الكذبة وأزهرت الكلمة المغشوشة وقَوَت حبكتها لن تُحصَد إلا لموسم واحد فقط... مع أنه قد يكون خصبا والدليل ارتقاء بعض الأقلام بجدارة لدرجة منافق خاص، تطورت بوسائلها الذاتية لرتبة متملّق عام، والوسيلة الكذب الميدوم بالغثيان، لا شيء غير الكذب!.. أغالبُ القيئ، كلّما مرت عيني على بعض الكتابات.
.......
الرزق مضمون.. والكبرياء حصانة.