البورتريه المعاصر في أعمال الكويتية سامية الخرافي

سبت, 10/28/2017 - 13:33

محمد البندوري

 

تنبني أعمال الفنانة التشكيلية سامية الخرافي على أبعاد واقعية تلامس البورتريه والفيجيراتيف في مختلف تجلياته الفنية والدلالية. وهو سياق فني واقعي يحمل في طيه مضامين متنوعة تعكس تصوراتها وأفكارها في هذا الاتجاه، فتُجسدها بتشكيلات دقيقة، تروم مجموعة من القيم الفنية والجمالية والإنسانية في نطاق أسلوب يمتح من الجوانب السوسيوثقافية والفنية، مقوماته الأساسية بحضور قوي للجانب السيكولوجي، الذي يغذي هواجس المبدعة سامية، لتتنوع فيه المواد وفق طقوس لونية وشكلية، فيضطلع بتقاطعات مليئة بمجموعة من المكونات اللونية والشكلية والعلاماتية، التي تستهدف البعد الواقعي في نطاقه الاجتماعي والنفسي، وفي نطاقه الفني والجمالي، لإخراج المادة التشكيلية في عمقها الدلالي. 
وهو مسلك تشكيلي يقود إلى إرساء مسار فني مبني على أسس متنوعة المشارب، ومتقاطعة المواد، التي تتبدى مثقلة بحمولة من العوالم المختلفة، وهو ما يؤشر إلى تعددية الدال ووحدة المدلول. لتضحى الصورة الفنية معكوسة على مستوى العناصر الفنية والمفردات التشكيلية، التي تؤطر المنحى الجمالي والتعبيري المستبطن في كنف العملية الإبداعية. وعملا بالقاعدة النقدية؛ فإن هذا المسلك في التشكيل الذي تؤطره الرؤية البصرية، الذي يعتمد السمات الجمالية في العمل الفني؛ يفتقر إلى مقومات صناعة الشكل الدقيق في نطاق تركيب المساحات وفق التقنيات الحديثة، حيث لا يزال يحتاج إلى المزيد من الدقة والمعرفة الحقة، وفق عملية التوزيع للكتل اللونية، وتوجيه عمليات الطلاء اللوني، وتنسيق الأشكال، وتثبيت العلامات، وتأشير الدلالة الرمزية بدقة، وبشكل يتوازن مع اللون والمساحة، إذ تتفاوت قوة التأثير بين مكون اللون ومفردات المادة التشكيلية وبين الفيجيراتيف أو البورتريه الذي يصبح متأثرا بالتحليل الطيفي للألوان، وباختلاف الوضع بين المادة التشكيلية والفضاء. فعدم التدقيق في عمليات بناء الفضاء على أسس واقعية متوازنة بين مختلف العناصر يفوّت بعض اللمسات الترميزية لما يضمره العمل، وهو ما يجعل الألوان تطغى أحيانا على الشكل الذي لولا الالتزام بالتوزيع الضوئي المتدرج لخرجت المادة كلية عن السيطرة الفنية الواقعية، خاصة أن سامية الخرافي تهدف إلى التعبير العميق وفق منهج شكلي بصري صرف، ووفق اشتغال يأخذ بعين الاعتبار الاكتنافات الداخلية والانفعالات والأحاسيس والهواجس ذات الأبعاد المنضوية في حكم الواقع، وتحديدا في قبضة البورتريه المعاصر. ولكن على الرغم من ذلك؛ فإن الخرافي ترسم لأعمالها نوعا من الاستمرارية من خلال مسلك واقعي وأسلوب معاصر. ولا شك في أن التقنيات العالية التي توظفها، تلعب دورا رئيسا في توجيه أعمالها نحو ما ترغب توصيله إلى القراء. كما أن مؤهلاتها الكبيرة وقدراتها العالية في هذا الاتجاه تجعلها تتسايس مع سلطة التصور التشكيلي الممنهج، لتتحكم في منجزها الفني، وتنتج من خلالها مواد فنية ذات معان ودلالات. وهو ما يؤشر إلى قوة ربطها للعلاقات بين المضامين الباطنية المضمرة في الشكل الخارجي، والمادة الفنية في شكلها التقني، ما يحد من بعض التباينات داخل الأنساق البنائية لأعمالها. وكل ذلك يحيل إلى الاستخدامات التحولية بأدوات فنية، وأشكال تعبيرية مختلفة، تتأسس من هواجس داخلية وتروم أبعادا واقعية وحسية تنهل من مختلف القضايا التي تعالجها وفق رغباتها الحسية وتحوّل بورتريهي يُنتج فضولا على مستوى المضمون كما على مستوى المادة الجمالية، ويطرح أكثر من علامة استفهام حول الصيغ الجمالية التي تتلاءم مع هذا التوجه في التعبير بآليات الترميز إلى كنه المضامين، التي تمتح مقوماتها من الحس عبر إطار مادي بصري عميق الدلالات. يدل على توجهها الصريح نحو الواقعية في إطارها البورتريهي، وفي نسقها الفني، وفي بعدها الجمالي، وفي تعبيرها الفلسفي الذي تعكسه بعض المفردات والألوان، وبعض العناصر المكونة لأعمالها التي تنبض بالحركة في سمفونية منسجمة مع مكونات العمل الشكلية ومع مضامينه. وهذا النوع من الانسجام يشكل نسقا فنيا يعكس ما تحمله ريشتها من تقنيات تتجلى امتداداتها في المادة البصرية. 
لدى التشكيلية سامية الخرافي الإمكانات والتقنيات العالية ما يمكنها فعلا من توطيد تصوراتها في البورتريه المعاصر بنسيج من الألوان والاستعمالات الرمزية والعلاماتية التي تخول لها التعبير بأسلوب تخصصي يتلاءم مع مقومات العمل الواقعي المعاصر.

٭ تشكيلي مغربي

المصدر: القدس العربي