تدوينة)
حاصل الأمر أنّني انتقلت في السنوات الماضية بين مفاهيم متناقِضة للصديق. فالصديق الذي عرِفتُه مؤخّراً هو الجليس العاقل، المواكِب، المتعاون. إنّه يؤنِّسُ في نهاية الأسبوع؛ ويشفط أحذيته وقت الانشغال. يعرِف متى يحجم ومتى يهجم. صحيح أنّه تِجاري: يؤنِس ويدعمُ، في مقابِل أن يؤنَسَ ويُدعَم. وصحيح أنه ليس بالضرورة إمتاعياً بقدر ما هو مُعين. فالصداقة الإمتاعية هي صداقات الطفولة أو الفراغ. ولكنّه يبني عقداً واضِحاً: في اليوم الذي يتحوّل إلى عبء يُكشط.
أما الصديق الذي تركتُه في المضارب فقد كان طاعوناً وعِبئاً. لم يكن يعرض الصداقة، بل كان يعرض القرابة. فالصداقة كانت دوماً ممارسة عنصرية. كان ممارسة في الدّم، لا في الفَم. لقد كان يأتي يومياً بمشاكِله، التي كان يتحتّم السير معه فيها والانخراط في ثاراتِه وضغائنه. كان يُبكى معه ويُقهقه معه. وكان يُسخِّف المجلس بدل أن يرفعه. كان نديماً أكثر ممّا كان جليساً. ولم تكن الصداقة دعماً بل كانت ممارسة في الإغاظة والتتفيه المتبادل. كان قدراً ينبغي تحمّل حماقاتِه ورعوناتِه. فالصديق كان وقت الضيق. كان لا بدّ من إلقاء الحبل له ورفعه من البئر. كان أيضاً له عقد واضحِ: انا قدرك ونصيبك؛ ونصيبك سيُصِبُك. إنّي لك أخاً وأحمقاً وحكيماً ونذل.