أظهر احتفاء الجمهور باليوم العالمي للكِتاب من خلال استدعاء تجاربه في القراءة والحديث عن أجود الكتب في حياتِه حالة متقدِّمة من الفقر المعرفي. بدا أنّ الكثيرين توقّفوا عن الاختلاب بالكتب عندما كانوا في الابتدائيّة. ولم يعودوا يتذكّرون من أفعال القراءة غير الفِعل الاندهاشي الأوّل. الأكثريّة أعلنت تولّهاً بكتب متجاوزة وفقيرة، كُتب دعائية بلا محاججات، وإنْ كانت رائجة. وبدا أنّ النشاط القِرائي للأغلبيّة كان في فترات المراهقة، ثمّ حالت بينهم "المسؤوليات" و"النضج" عن الاستكمال. وقد سلّم الجميع تقريباً بأنّه يمكن الإجابة على السؤال الأسطوري النّوعي: ما هو أجود كتاب قرأتَه؟ وغالباً ما أُجيب على السؤال بتجاوز أفعل التفضيل والحديث عن الكتاب الوحيد في الحياة.
والواقِع أنّ هذه الاستكشافات ليست جديدة. فأغلب الجمهور لا يقدر على القراءة؛ وهذا واضِح من تعليقاتِهم على المقروء، وتحويشاتِهم على المحاضرات ونقاشاتِهم للأحداث. إنّهم ينوشون الأفكار الثانويّة ويتخاصمون مع التشبيهات ويتسلّقون المجاز، لا الأطروحة ولا المحاججة. وهم لا يُسائلون العلاقة ما بين المحاججة والأمثولة، ولا بين الفِكرة ودلائلها. وليس هذا خاصّا بالجمهور: الطبقة الحاكمة لا تقرأ. وحتّى "المثقّفون". والواقع أنّ شخصاً يوصَف محلياً بأنّه مُفكِّر قد أظهر مؤخّراً حماقات كبيرة في ممارساتِه للقراءة.
إنّ أسطورة الجمهور العارِف والفصيح والمتولِّه بالمعرِفة هي إحدى الأساطير التأسيسيّة للثقافة الموريتانيّة المعاصِرة. وهي في أصلِها عقليّة زاوية. فالزوايا هم طبقة تُجاريّة تُعرِّف نفسها أنّها طبقة علمية. ثمّ إنّ علومَها هي علوم الأداة؛ ولذلك فهي تُجهّل على الشكل، وتنساق في الطُرَف، وتقريباً لا تعي الأطروحات.
يتعيّن الآن تثوير القراءة من خلال تكثير التجارب القرائيّة وتشجيع التفكير النقدي ومنافسة العقل البياني والتصديقي والإعلامي. ومع توفّر البنية التحتيّة للكُتب مؤخّراً (من خلال الكتاب المُقرصن) فإنّه وجب إطلاق شعار العودة من الكِتاب إلى القراءة.