سبحة جدتي/ محفوظة زروق

أربعاء, 01/17/2018 - 00:02

قبلتٌ وأنا في كامل جنوني دعوة حضور حفل راقص لزفاف زميلتي، وماذقتٌ طعم الخمر في حياتي مطلقاً لكني أهذي طول الدهر في سكرتي فتنساب الكلمات من فم القلم ومدادي هو مفتاح سري.

حاورتٌ العقل ليختار ما يناسبني كي أكون في منتهى الشياكة لأن النساء في الغرب إذا احتفلن يلبسن فساتين ملكات قصص الخيال، وأنا لا أملك غير ثوب مرقع بهموم الغربة أو تسبيح جميل ورثته من جدتي. وقفتٌ أمام المرآة أتأمل نفسي، أبحث في وجهي عن ملامح وجه جدتي، أغمض عيني، أرى طيف وجهها كالجوهر المكنون وهي لم تواكب صيحة أحمر الشفاه، ولا تسريحة ذيل الحصان لكنها جميلة وهبتْ نفسها للرحمان تٌجمل الشفاه بذكر الله، تٌكحل العين بغض البصر، ومن قيام الليل اتخذتْ مرطباً للوجه… فمن أين لي يا ترى بأدوات تجميل جدتي ؟ فهي لم تترك لي غير هذا التسبيح أو دروس مازالت تدور في ذاكرتي. تقول جدتي: أن جمال المرأة في احترامها حيث لا شيء يرفع قدر المرأة كالعفة، والقرب من الرجال مٌخيفٌٌ كالبحر وكأن الرجل هو العدو الوحيد للمرأة، و الزوج شخص مقدس نصبر على ظروفه كصبر هاجر في أرض جرداء غير ذي زرع…

وبما أنني لا أهتم كثيراً لحكم الأكثرية- وكلما كنتٌ أصيلة كلما وثقتٌ في نفسي أكثر- جعلتٌ المظهر عنوان هويتي حتى بدوتٌ حسب المرآة كالخنساء في طلتي، ومشيتٌ نحو الحفل على كف القدر لعليّ أعثر على أفضل ما في الأخرين عندما أقف بين حضارة هويتي وحضارة جنسيتي وفِي كل الأحوال أرفض الهروب من قدري… دخلتٌ الحفل حيث تتطاير أنغام الموسيقى والعفاريت تتنطط أمامي متراقصة وكل إمرأة بين يدي رجل تحرك خصرها بخفة تتمايل… عانقتني زميلتي في خطوة راقصة كزهرة حسناء يلهو بها القدر، قادتني إلى طاولة جلستٌ عليها وحيدة- كاليتيم على مائدة اللئيم-ثم جاءتْ أختها لتخيرني- على غير روية- بين أنواع النبيذ فسارعتْ شقيقتها لتتكفل بالرد قائلة: “بأنه إذا اجتمعتْ الإنسٌ والجنٌ لن تقنعني بشرب الخمر!” فسألتٌ الله في نفسي أن لا يبتليني بعيب كرهته في غيري! وأخترتٌ نبيذ البن لعليّ أَجِد فيه طعم أول فنجان قهوة اكتشفه الإنسان ليذكرني بأني والقهوة من نفس الأصول.

دَعَوني للرقص فأعتذرتٌ لأني لا أتقن تشابك الأيادي ولا مخاصرة الرجال في الرقص، ولا أميل حيث الريح تميل… وما جئتٌ إلى الغرب لهدم الفضيلة لكني ألتمس لزميلاتي سبعين عذراً حيث لنا في الاختلاف عبرة حين رضعن الحرية من ثدي أمهاتهن ومن ثدي المنتبذ القصي رضعتٌ.. أراقص السراب على أوتار آهاتي كرقص التائهين أو كالشطحات الصوفية ، أكون كطائر مغرد يشدو بالحرية تارة وتارة أرجع إلى طريق الصواب وحريتي مقيدة الأوصال فأقارن بين ضجيج الحفل وصمت القبور، لكنّي عندما وضعتٌ هويتي العربية في المقدمة غابتْ عني شمس الأندلس في بحر الترف والملذات والمجون، فأعود إلى استجواب نفسي: مهما كانت أخطاء العرب عبر التاريخ فهل أنا ملائمة لشروط هذا المكان؟ وهل هناك مقارنة بين قذارة هدر الإنسانية بين أنياب إبليس وهدوء ونظافة الإسلام؟ فما أجمل أن تكون مقيدا وسعيداً بالقيود! ورغم أني شغوفة بالحياة والموسيقى والرقص فإني قدمتٌ هدية متواضعة لزميلتي ووزعتٌ ابتسامتي على الجميع واستأذنتٌ في الإنصراف متعللة بسبب واهن فطن له البعض.

نظرتٌ إلى قرص الشمس وهو يختفي خلف الأفق وكنت ممن يعون معنى الاختفاء فسارعتٌ لإنقاذ نفسي من ضياع وقت المغرب حيث استوقفتني آيات القران والإمام يتلو في الركعة الأولى : ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ في السَّمَاء بٌروجاً وَ جَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَ قَمَراً مٌنِيراً..) بصوت عجزتٌ عن وصفه ( وخشعت الأصواتٌ للرحمانِ فلا تسمع إلا همسا)!

Mahfoudha Zerrough من صفحتها على الفيسبوك

 

لها أيضا:

مجرد خاطرة / محفوظة زروق