كان جمال ولد الحسن رضي الله عنه من المحبين الصادقين ، لا يفتر عن سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والحديث عن شمائله العطرة وهديه القويم، وتلك مزية متوارثة في أسرته أهل ديدي وقد أدركنا منهم العلامة الجليل المين ولد سيدي الذي كان عندما ينتقل من تدريس الفقه والنحو الى تعليم السيرة يتحول إلى شخص آخر، يأخذ منه الوجد والشوق مأخذا لا يثبت له شيء ،وما اروع امداحه بالحسانية وقد كان من العلماء القلة الذين ينظمون الشعر في المدائح الشعبية المعروفة . لم أدرك أخاه محمذني لكن حدث ولا حرج عن محبته واستغراقه في التعلق بمقام الكمال النبوي كما أخبرني الثقاة وكما يشهد شعره الرائع النير ، ولم تكن اخته والدتنا آمة اقل شأنا وشأوا.
من هذا البيت نبع جمال ، وعلى هذا النهج تربى ودرج . لا زلت أذكر حجته الأولى عام ١٩٨٢ ولم يكن عمره يتجاوز ٢٣ سنة ،وكيف عاد من المناسك وفي عينه دمعة ثاوية من بقايا إطلالة في الروضة الشريفة التي لم يكن يطيق البعد عنها وكان يحجم عن الحديث عنها من شدة التعظيم والوله.
ذكر لي الاخ احمد ولد مبيرك كيف صحبه في الفترة نفسها مع العلامة المرحوم محمد سالم ولد عدود ، وكيف كاد جمال يغيب عن الوعي والشهود في ذلك المقام المشهود.
تعود جمال في كل سفر إلى المشرق العربي على المرور بالمدينة المنورة ، وفي غالب الأحيان يتردد عليها في كل رمضان ، ويحلو له عند دخول طيبة الترنم بشعر جرير :
لما لحقنا بظعن الحي نحسبها نخلا تراءت لنا البيض الرعابيب
المعروف أن جمال شاعر مجيد لكنه مقل، بيد أن له من الشعر المديحي ما ينم عن هذه الروح المشرقة ، ومنه قوله :
اني إذا ماجئتُ طيبةَ زائرا :: و جلستُ منها بالمكان الأرحب
وكحَلت بالانوار منها مقلتي :: ولثَمت مسكا من ثراها الطيب
وأسَمت نفسي في أنيق رياضها :: وقضيتُ من تلك الأماكن مأربي
لم أنسَ ذكرَ أحبة لاقيتهم :: فيها علي شوق وطولِ ترقب
قومٌ إذا نالوا المُنى من طيبة :: في طيبة و حُبوا بأشرف مطلب
دلوا علي ذاك الجمال جليسَهم :: من خلف ستر بالجلال محجب
وسقوه فضلةَ كأسهم ممزوجة :: لو ناولوه صريحها لم يشرب
لازال عهدُ لقائهم في طيبة :: يُسقَى الغمامَ من الولي الصيب
وأعاد ذو الافضال منهُ نفحة :: تقضي حوائج حاضرين وغيب
اعرف تاريخ هذه القصيدة وسياقها ، ولا اريد الكشف عنه فهو من المضمون به على غير أهله.
رحم الله جمال واثابه احسن ما يثيب أهل محبة نبيه .