الأسماء المستعارة / الدهماء ريم

خميس, 12/26/2019 - 04:08

 

بتعليق غير كامل الملامح، وبضحكة تُحاذي الاقتراب من اللّعبة "الفيسية" في الاسقاط والتظليل، علَّق صديقي الافتراضي الكريم عدنان احمد حمدي في خضمّ موجة "ليلى الجكنية" وهويَّات بعض الأسماء المستعارة، بما هو وارد في الصورة المرفقة، ولما استفسرته -استغرابا- عن إقحام اسمي في جدل لا يعنيني، تذاكى صديقي، وأرسل لي رشوة وردية لطيفة في شكل تعليق يُثني على "لغتي الراقية وأسلوبي الأخاذ"،.. ماشي صديقي العزيز.

سيدي الكريم أنتَ "ترى"،.. وأنت حرُّ في رأيك ومدى رؤيتك للأمور، سنختلف فقط حين تظنّ رأيك مُلزمًا لغيرك، أو أنَّ اللعب بأسماء "الغير" مُباح، سواء كانت مستعارة أو صريحة..
هنا سأدعوك سيدي لنستفيد معاً:
استعارة الاسم في الكتابة الأدبية أو السياسية أو الترفيهية لم تكن يومًا انحرافا أو سلوكا معيبا،.. كتب الآلاف بأسماء مستعارة، وما يزالون، كتبوا ليتسنَّى لهم تقديم نَصٍّ مُحايد، أو ليُتعامل مع آرائهم ورُؤاهم دون انحياز أو مَيلان، وأيضا دون حكم مسبق، أو ربما ليُسمعوا بصوت مُخالف للسَّائد من الأصوات، أو خشية متابعة في ظروف استثنائية، أو لأنَّ قيدا اجتماعيا تصنيفيًّا يفرض ذلك على بعضهم..
استخدام الأسماء المستعارة أمر شائع جدا في الغرب، وبدرجة أقلّ عند العرب، لولعهم باللّقب وانبهارهم بلمعان الاسم، ..
سيدي الكريم،.. موليير، اسم مستعار واسمه الحقيقي Jean-Baptiste Poquelin ، وفولتير، اسم مستعار واسمه الحقيقي François-Marie Arouet،.. "الأخطل الصغير" هو بشارة عبدالله الخوري، .. و«البدوي الملثم» هو الموسوعي الأردني يعقوب العودات، والشاعر«أدونيس» هو علي أحمد سعيد إسبر،. أخْفت الكاتبة الأشهر "آغاثا اكريستي" لعشرين سنة هويتها تحت اسم "ماري ويسماكوت"، أما صاحبة سلسلة "هاري بوتر" ذات المبيعات الفلكية، "جي.كي.رولينغ"، فقد كتبت تحت اسم مستعار هو "روبرت كالبيرث" لتفسح للنقاد التعامل مع نوع جديد وغريب من الأدب باسم كاتب مجهول،.. مي زيادة، كانت أول امرأة تكتب في الأهرام، ووقَّعت بعدة أسماء منها "عائدة" ومنها "إيزيس كوبيا"، ثم تلتها الكاتبة المصرية عائشة عبد الرحمن باسم "بنت الشاطئ" و"ابنة الشاطئ"، وتخفَّت الأديبة السورية مقبولة الشلق وراء "فتاة قاسيون"، وتستَّر بيرم التونسي وهو مطارد في سوريا باسم "أنيس"، ووقَّع أحمد شوقي في بداياته ب "ش".
هل سمعت بهؤلاء سيدي؟ متفق معي أنْ ليست لهم علاقة بليلى!

طبعا هذه الاستعارات أسماء وهمية، احتمت بها أقلام لامعة لأسباب موضوعية أو ذاتية، واحتمت بها أيضا أنامل نسوية من سهام التجريح أو حياء، وقد تكفَّلت الهوية المطموسة بحمل أعمالهم الى القارئ بحياد.
لستُ سيدي من فئة الكتاب ولا زمرة الأدباء فيما تسنَّى ولا فيما هو آتٍ، ولن يدفع الضَّجر والبطالة أيّ ناقدٍ ليقرأ لمثلي،.. الاسم الافتراضي المستعار(إلِّ اعل بابُ) يوفّر للبعض -وأنا منهم- مساحة ومسافة أمانٍ بين صاحبه وعموم فضاء مُتلاطم بحسناته وسيئاته، وأنا مُعترفة أنَّ شحم أكتاف صفحتي من خيرات هذا الفضاء، وبأنه من وفَّر لفئتي من الهواة المطمورين فرصة لكتابة تُرَّهاتهم بخط مقروء،.. إلا أنه يبقى مع ذلك عالما يمزج عن قصدٍ أحيانا نور الصباح وظلمة الليل، ويسلك مسالك ليس للصّدق فيها مكان، ويتعاظم فيه تقشير الجلد الآدمي على الأرصفة والافتراء الهتون.. لقد فُطر بعض ساكنيه على التَّخندق خلف الشُّبه، وما تحمله من كثافة في مخيال البيظاني، فالمخيال تماما كالعقل والضمير يعيش أزمة في ربوعنا.

سيدي أنا لا أحملُ داخلي ضِدِّي، ولا أعيشُ حالة نزاع بين بعضي مع بعضي حتى أقلق على خباء استعارتي التباسا أو تضليلا، فما أُعبِّر عنه من رأيٍ، وما أنشر من مطاوي النَّفس، أفرجُ عنه بكامل وعيي، وتضمن لي الاستعارة خاصية ضمور النرجسية.

دعني إذن ممَّن اشترى هواه، وهرب الى تجاويف الفيس ودروبه السِّرية ليسُدَّ شواغر الوقت، ففي ذلك القاع ستتشابه الروايات وتختلف النهايات، أحوط أصلا ألاَّ يتقوَّسَ "قيس" حتى ينقصم ظهر بوحه في "مساجري" ليلى الخيالية، وأن يكون الكل هيَّابًا لعالم من الأوهام تسرح فيه ذئاب الومضات.

الاسم المستعار، شأنه شأن سائر أمورنا التي نقيّدها بين التّهويل والتّهوين، لا نعرف للوسطية وجها، لكن إن أجَلْتَ النظر سيّدي على صفحتي لن تجد ما يمنعني من التوقيع باسمي، ولن تجد من بواعثَ تُجبرُني على التَّعمية، فالأمر لا يتجاوز كوني سيدة تضع نقابها في شارع افتراضي عام، وهذا سلوك معتاد تمارسه بعض النساء في الشارع الحقيقي،.. أتفهَّمُ أن يغتر بعضنا أحيانا ويجتهد تطوُّعا في إلقاء الدروس فيما يجب فعله وما لا يجب، لا لسبب وجيه سوى أنَّه، "يَرَى".

لقد أصبح جلّ أصدقائي يعرف هويَّتي، ومن لا يعرفها تجمعني وإياَّه مساحة ترفيه تسع الكل، ولا يُشترط فيها تبادل الهويَّات الحقيقية ولا العناوين.

وأصْلْ أشكم بعد انْعود ليلى(ذيك القديمة).