الوقفة الثانية مع معلقة امرئ القيس....
***
بُـعَـيْـدَ تـطْـوافِـنا عَـلَـى يَـبَـابِ رسُـومِ دِيّـارِ امْـرئ الـقَـيْـس؛ التِـي درسَتْ معَـالمهَـا نَسْـج الـرّيحَـيْـن وتَـعَـاقـب الجَـديدَين...
لاَزلـنَـا وإيّـاكُـم نحُـث الخُـطَى فِـي سَبـيـلِ اسْـتجْـلاء غوامِـض لاتَـزال عَـصِـية عَـلَـى كُـل ثَـاقِـبي ذهْـن وحَـديد فَـهْـمٍ.
فِـي غـطَـمْـطَـمٍ زاخِـرٍ لاتُـكَـدّرهُ الـدّلاَء وروْض مـمْـرعٍ تـتَـوّه البهْـم فِـي يَـانِـعِـه ؛ نَـتَـلَـمّـسُ الأزْهَــار تَـحْـت بَــارِق نجْـمٍ يُـخْـبرنَـا بقُـرب ذَلِـكَـ الصّـبْـح الَّــذِي انْـتَـظَـره الشّـاعِـر طَـويـلاً
ألاَ أيّـهَـا اللَّـيْـل الطّـوِيـل ألاَ انْـجـلِ ✨ بصُـبْـحٍ ومَـا الإصْـبَـاح مِـنْـكَـ بأمْـثـلِ
فَـيَـالـكَـ مِـن لـيْـل كَـأنّ نجُـومـهُ ✨ بكُـل مغَـار الفـتْـل شدّت بِـيـذْبـلِ
... إلـخ
فَـمَـاذا يـقْـصَـد يَـاتـرَى بالإصْـبَـاحِ ؟
هَـذَا مَـاجَـعَـلَـنَـا نحَـار فِـي نقْـطَـة الْـبِـدايـةِ مَـعَ شَـاعر يَـطْـوى غَـابر الـعُـصُـور عَـلَـى كَــاهِـل شعْـره الـذّلُــول المرَحـل ...
يَـكـرّ بنا حَـتَّـى يسْتبِـق الوحْي فيجْـري عَـلَـى لسانهِ شعْـرًا تعتّـق من ريَـاحين الحِـكْـمَـة وركَــام التّـجَـارِب.
يشْتَـهِـي الانْسَـان فِـي الصّيْـفِ الشّـتَـاء ✨ فَـإذَا مَــا جَــاءهُ أنْـكَـره
فهُـو لايَـرضَى بعيْـش واحِـد ✨ قُـتِـل الانْسَـان مَـا أكْـفَـره
كَـمَـا نجِـدهُ في بيت آخر ينبئ باقتراب الساعة وانشقاق القمر .
وإن كُـنتُ لاَ أجْـزمُ بصِـدقِ نسْـبة هَـذِهِ الأَبْـيَـات إلـيْـهِ إلا أنِّـي أوردتُـهَـا كَـما أَوْردَها الأقدمُـون .. حَـيْـثُ يقُـول :
اقْـتربَـت السّـاعة وانْـشق القَـمَـر ✨ عَـن غَـزالٍ صَـاد قَـلْـبِـي ونَـفَـر
ومن تَـنبّـأ بالْـوحْـي قَـبْـل نُـزولِـه فَـلاَ غَـرابة فِـي أن يتَـنبأ بالمسْتـقْـبـلِ
وقد نتفاجأ إذا مَـا أخْـبرنا العِـلْـم الحَـديثُ بأَن نَـظَـرية (أول ترافيست)
التِـي اكْـتَـشَـفَـها (إدوارد مايبريدج) فِـي أَواخِــر الْـقَـرْن التّـاسع عَـشَـر (١٩) عِـنْـدما صَـنَـع كَـامِــيـرا عَــالية السّـرعة لبَـحْـثِ حَـركَـة الحِـصَـان .. فَـاكْـتَـشف أنّ أرْجـل الحِـصَـان تـقْـبـل وتـدْبر فِـي آنٍ واحدٍ كَــمَـا وصَـفَـهَـا امْـرؤ الـقَـيْـس فِـي قَـصِـيـدتِـه قُـبَـيْـل ألْـف عَــامٍ من اكْـتِـشَـاف الـنّـظَـظريةِ نفْـسِـها...
وقد اغْـتَـدي والـطّـيْـر فِـي وكَـنَـاتها ✨ بمَـن جرد قَـيْـد الأوابِـد هيْـكـل
مكـر مـفـر مقبل مدبر معًـا ✨ كَـجـلْـمُـودِ صَـخْـرٍ حـطّـه السّـيْـل مِـن عـلِ
وإن كَــان أهْـل البَـلاَغَـة يقُـولُـونَ بأَنّــهُ وضَـعَ المسْـتحِـيـل مكَــانَ الممكِـن حِـينَ قَـرّب النّـظَـرِيّـة الأُولَــى، وهي :
نظَـريـةُ الـكَـرِّ والـفَـرِّ فِـي آن واحِـد والـتِـي كَــانت مسْـتَـحِـيـلاً بالـنّسْـبـة للبَـلاَغِـيِّـيـن بالـتّـشْـبِـيـهِ فِـي الـشّـطْـر الأخِـيـر بِـ : "جلمود صخر حطه السيل من عل" ، فهُـو : منحَـدر باتّـجَـاهٍ واحد متَـمَـاسِـك ومتقَـلّـب في نفْـس الوقت مِـمَّا جَـعَـلَـهُـم يُـعَـبِّـرُونَ عَـنْـهُ بالممْـكِـنِ.
ومَـادامَ العِـلْـم الحَـدِيـث قَـد أثْـبَـتَ صِـحّـتَـهُ ؛ فَـلاَ شَـكَّـ أَنَّ ضَـوْء صُـبْـحِ الـقَـصِـيـدَةِ قَــدِ اقْـتَـرَبَ...
ومَـازَال أمَـامَـنَـا متّـسعٌ مِـن الـوقْـت ؛ لـنَـتَـطَـلّـعَ أكْـثَـر عَـلَـى أهَـمّ اكْـتِـشَـافَـات شَـاعِـر كِـنْـدَة وعَـالـمُ الـغـبـيـط ، وهو : يصفُ نجُـوم ليَـالـيهِ الثّـابِـتَـة فِـي تَـمْـثِـيـلٍ مسْـرَحِـي بَـديع
كَــان فِـيـمَـا بعْـد مرْتعًـا خصْبًـا لعُـلَـمَـاء الرّيـاضِـياتِ والفِـيزْيَـاء لايَـدرُون أنّ الشّاعر امرأ القيْس سَـبَـقَ "نيوتن" إليها بما يَـربوا عَـلَـى ألْـف عَــام .. والتي قرّر فيهَـا نظرية الجَـاذبية حينَ شبّـه دَورانَ النّـجُـوم حَـول بعْـضها بقُـوة الجَـاذبية الـرّابطةِ بيْـن كُـل جسْمين متجَـاذبيْـن والتِي عبّـر عنها بِـ : "حبْـل مغَـار الفتْـل" .
فَـيَـالَـكَـ مَـنِ لَـيْـلٍ كَـأنّ نُـجُـومَـهُ ✨ بكُـل مـغَـار الـفـتـل شُـدّتْ بِـيـذْبُـلِ
لِـيـشْـرَع فِـي الـتّـفْـصِـيـل الـرّيـاضِـيّ ؛ لِـقُـوَّةِ الـجَـاذِبِـيّـةِ مُـشِـيـرًا إلَـى أنّ هَـذِهِ الـقُـوّة تَـعْـتَـمِـدُ عَـكْـسِـيًـا عَـلَـى الْـبُـعْـدِ بيْـنَ الْـجِـسْـمَـيْـن المُـتَـجَـاذِبَـيْـنِ وهُـو مَـا عَـبّـرَ عَـنْـهُ بِـ : "مَـصَـامها" ؛ لأنّ الشيْءَ الأصَـمّ يستَـوي فِـي أسْـفَـلِ الـكَـسْـرِ الـرّيـاضِـيّ ، حيــنَ قَـالَ :
كَـأنّ الـثّـريّـا علّـقَـت فِـي مصَـامهَـا ✨ بأمْـراسِ كـتّـان إلَـى صمّ جـنْـدل.
وإلَـى هُـنَـا نحُـطّ الـرّحَـال عَـلَـى أمَـل العَـوْدَةِ إلَـى المعَـلّـقَـةِ حِـيـنَ تـكُـونُ الـفُـرْصـة لِـذَلـكَـ سَـانِـحَـة.
"أبوالعلاء الشنقيطي"
