بقلم الأستاذ مختار فال ولد محمدو، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية
ولد أحمد سالم ولد ببوط في 26 أكتوبر 1956 بمدينة أطار من أسرة مشهورة جمعت بين وراثة تقاليد الشهامة و الفروسية و التعمق في العلوم الشرعية.
و قد انتقل إلى الرفيق الأعلى يوم 10 يوليو 2018 عن عمر ناهز 62 سنة، بين ذويه و في كامل قواه العقلية.
و هكذا يمكن القول إن الأستاذ أحمد سالم ولد ببوط هو نتاج لتلاقي وتناغم أفضل ما يمتلكه المجتمع البيظاني .
و قد توالت الشهادات حول الأخلاق العالية والطابع الاستثنائي لذلك الرجل السمت و القانوني المتفرد و لكن كلية العلوم القانونية و الاقتصادية بجامعة نواكشوط العصرية حرصت على أن تخلد ذكراه عاليا نظرا لأنه واكب نشأتها و تطورها.
و قد برزت عبقريته وظهرت مخايله باكرا ، في أوج دراسته للقانون، كما اكتشف ذلك و شهد به السادة : الأستاذ برنار دوراه،أستاذ مبرز في القانون ومتخصص في تاريخ القانون و المؤسسات، عميد شرفي لكلية القانون بمونبليي و ألاه بوكل، أستاذ القانون العام بجامعة أورلياه، اللذين كانا آنذاك منتدبين لدى جامعة دكار، أستاذا وعميدا على التوالي.
وبعد حصوله على ليسانس في القانونمتفوقا ، التحق بالأستاذ بوكل بجامعة بواتييه حيث حصل سنة 1981 على شهادة الإجازة في القانون العام ثم شهادة التعمق في البحث مع ميزة “جيد”. و قد كان موضوع رسالته لشهادة التعمق حول” الشرط التمييزي في القواعد العامة ودوره في قانون عقود الإدارة “و قد أبان هذا البحث عن رسوخ قدمه وعمق ملكاته وصيته و خبرته، مما جعل دائرة ضيقة يترأسها العميد فدل تكتشفه وتتلقفه و تتبناه و تتهلل بقبول الإشراف على أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه الدولة في القانون العام تحت عنوان ” أبحاث حول مساهمة المجلس الدستوري في القانون الإداري” و التي تمت مناقشتها سنة 1984. و قد نشرت هذه الأطروحة سنة 1987 من طرف دار إكونوميكا و المطابع الجامعية بإيكس آنبروفانس اعتبارا لقيمتها و مساهمتها المعرفية . و لا زال هذا العمل يمثل معلما في الأعمال القانونية.
نجح سنة 1988 في أول مسابقة تقدم لها للتبريز في مجال القانون ثم اختار، رغم فرص العمل المتاحة من قبل الجامعات الفرنسية، أن يرجع إلى بلده ليدرس القانون فكرس كل طاقته و مهاراته لكلية العلوم القانونية و الاقتصادية ، متفرغا للتدريس و البحث.
و إذا كان أحمد سالم الأستاذ قد خلف انطباعا قويا لدى طلابه هنا و هناك، فإن أحمد سالم الباحث، قد ترك، أكثر من الأستاذ، أثرا بالغا –بقي و سيظل كذلك- في هذا التخصص. كان أحمد سالم ولد ببوط على عكس المثقفين من ذوي الواجهة الإعلامية. فالرجل كان شديد التحفظ و لهذا تفادى أضواء الأحداث ليتفرغ، في ظلال النصوص و البحوث القانونية، للدراسة المحضة للقانون العام و تحرير مؤلفات جمة تنهل منها أجيال من الطلبة و الباحثين و المتدخلين في المجال.
و لا يسع المرء إلا أن يقف منبهرا أمام إشعاع سيرته الذاتية من حيث البحث، فقد لامست بحوثه مختلف مجالات القانون العامكالقانون الإداري و الدستوري و الدولي العام و قانون الصيد البحري. و قد تجاوزت شهرته وفكره حدود موريتانيا و اعترف بها بصفة واسعة على الصعيد الدولي، خارج كلية القانون بنواكشوط، خاصة في المغرب و السنغال و تونس و فرنسا وكافة المجال الفرانكفوني ولكن كما يقول المثل الفرنسي (لا كرامة لنبي في قومه ).
تم تعيينه في المجلس الدستوري حيث أنار بعبقريته الفذة القرارات الأولى لهذه الهيئة الموقرة. و قد سخر قدراته العلمية والمهنية العالية لخدمة قطاعات حكومية مختلفة كالعدل و الصيد البحري و الوزارة الأولى حيث شغل منصب مستشار قانوني.
إن هذا الذكاء الخارق و المعطاء هو الذي خمد. و تعتزم كلية العلوم القانونية و الاقتصادية تكريمه من خلال النشاطات التالية:
– ترجمة مقاله الأخير الصادر في المجلة الفرنسية للقانون الدستوري –رقم 113 2018/1 صص 75-92- تحت عنوان”الدستور الموريتاني عود على بدء ، خواطر حول المراجعة الدستورية بتاريخ 15 أغسطس 2015. و يعتبر هذا العنوان إشارة لطيفة منه كعاشق للشعر الفرنسي إلى بول فرلين و قصيدته ” المقبرة البحرية” التي يقول فيها: ” البجر، البحر، معاد دائما” . وستتشرف المجلة الموريتانية للقانون و الاقتصاد بنشر هذه الترجمة قريبا.
– ملتقى مغاربي حول الإصلاحات الدستورية في البلدان المغاربية ينظم في شهر نوفمبر تخليدا لذكراه كدستوري بارع.
– سيتم نشر مزيج مخصص لذكراه تحت إشراف الأستاذ عالي فال و أحد زملائه الفرنسيين.
و ها أنا أتقدم إلى السلطات الحكومية برجاء ملح بأن يسموا أكبر مدرجات كلية العلوم القانونية و الاقتصادية الجديدة باسم الأستاذ أحمد سالم ولد ببوط.
إن هذه النشاطات تمثل التكريم الذي كان سيمنعه تواضعه من التفكير فيه. و لكن الكلية لم تكن لتتركه يغادر دون أن تعبر له عن مشاعر المحبة التي يكنها له جميع زملائه و الاحترام البالغ الذي ينظرون به إلى شخصه و أعماله العلمية.
فلتكرم ذكراه من خلال هذه الكلمات التي نوجهها له جميعا. إن غياب شخصية من طراز الأستاذ ببوط تترك لا محالة فراغا كبيرا تحس به كافة أسرة كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و جامعة نواكشوط العصرية بكل أسى.
فإلى زوجته و أولاده و كافة أفراد عائلته و أقاربه و زملائه و طلابه تتقدم كلية العلوم القانونية و الاقتصادية بتعازيها القلبية و تحيطهم علما بأنها تشاطرهم الألم و الحزن. سائلة المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد برحمته الواسعة وأن يسكنه فسيح جناته إنه ولي ذلك والقادر عليه.