الشعر ُ نقيضُ العِلم/ إبراهيم الأندلسي

ثلاثاء, 11/27/2018 - 23:41

 

يقول الشاعر و الفيلسوف الإنكليزي
صمويل تيلور كولريدج :

"الشعر  نقيض  العلم،  هدفه  المباشر اللذة،  و ليس الحقيقة"

وردت في مقولة الفيلسوف الإنكليزي عبارات متعددة ، الشعر و العلم  ، و اللذة و الحقيقة و الأهداف.
الشعر ذلك الكلام الرنان المترفِّع عن لغة الناس و أحاديثهم و حواراتهم و حتى رسائلهم و مُدوناتهم، و هو كلام عذب في الغالب يحمل شحنة فائقة من الحماس و التوجيه و التحريض و كأنه  يستيقِظُ  و ينامُ  فوق مِنبره طوال الوقت.
و للشعر علاقة وثيقة بمقاطع الأصوات و الموسيقى لذلك ربط علاقة أبدية مع الغناء بوصف الشعر المُزوِّد الأول بالوقود الأساسي ، و الحافظ في سجل الخلود و ميادين النشر.

لكن أين تكمن اللذة في الشعر؟
و هل هي الهدف الوحيد ؟
و كيف ابتعد الشعر عن الحقيقة؟
و هل تحتاج  الحقيقة توضيحا أدق؟

لعل من الواضح أن في الشعر- كما في الخطابة - راحة  و اعتزازا  و فخرا يشعر به الشاعر أولا  و قد تشعُر به الجموع أو غالبيتها أحيانا، لقدرة الشاعر على تشكيل صُوَّر رائعة من كلام و لغة كانا متاحين للجميع، و لم يستطع  غيرُ الشاعر التمكنَ من ذلك الترابط  و تلك الأساليب التي تكاد تفوق التصور، و للشعر ارتباط  وثيق بالتخيل و التصوير و استباق الأحداث و هو يتداخل مع فنون و علوم كثيرة في ذلك المجال.
و الشاعر بكتابته لا يكتب لتوصيف المَشاهِد و لا لتدوين حدث ما،  فذلك دور التوثيق و الذاكرة المكتوبة  و المصورة، الشعر يكتب لنفسه ، للجَمال و للرقِيِّ  و يُساير العاطفة  و الظروف التي لا تدركها وسائل العلم  ، التي تعتمد الحسابَ  و الدقة و الأشكال و الأحجام كمصادر موثوقة.
فهل من وظائف الشعر البحث عن الحقيقة ؟
حين نسمح بطرح هذا  السؤال فإن أسئلة مُشابهة ستطرح نفسها و هي:
هل من وظائف الترنم البحث عن الحقيقة ؟ و كذلك الغناء و القصة و الرواية و الخُطبة و غير ذلك ؟
و حين نعود إلى المقولة و أركانها ، نجد غرابة في الطرح حيث أن الشعر ذلك الإحساس الفردي الخاص الخالص  يستطيع أن يُصبح ندا للعلم باسمه العام و أوصافه الكثيرة، 
أو ليس الشعر يدخل  مُرغَما  زاويةً صغيرة في ركن قصيٍّ من أركان مجال غير أساسي من مجالات تَدْخل تحت مِظلة العلم في مجاله الواسع ؟
و ربما يكون الفارق بين الشعر و العلم أكبرَ من الفارق بين العلم و الحقيقة.

تحمل المقولة أيضا ترابطا بين الحقيقة و اللذة  و هو ما يَخلُقُ كثيرا من الغُموض ،
فهل اللذة نقيض الحقيقة، لأن اتجاهاتهما متعارضة ؟
إنه سؤال آخر يضع تماثلا و لو صغيرا بين الحقيقة و اللذة مع العلم أن الأخيرة نقطة مجهولة تحت لواء الأولى و لا أحَد يتصور خروجها و لا يتخيله.

في عالمنا العربي عبر عصوره و مراحله المختلفة ، احتفظت الثقافة في المخيلة العامة بأبيات خالدة و أوردتها مَورد الأمثال و أصبحت تُحاكم بها بعض َ الأفعال و الأقوال و الأحداث، و كأن تلك الأبيات حقائق ثابتة ، يصبح التعارض معها نوعا من النُّكوص عن المسار الأصوب ، لعل ذلك جانبا مما أراد الفيلسوف لفتَ انتباهنا إليه، و مَن يدري قد تكون الظاهرة العربية عامة أو موجودة في مجتمعه الخاص.
و في الخِتام يظل الشعر ذلك الإحساس الإنساني الخالد الذي يُغذي الروحَ و يُطرِبُ المَجالسَ مهما تجاهلته المادةُ و قلل من قيمته التنافسُ و ترتيب الأولويات و تسارع الحياة و تطوراتها، و تقلبات الحُكم
و الربح و الخسارة،
لمَ لا تبحث الشعوبُ لها عن مُعوِّذات خالدة تُلهِب حماسَ الجماهير خارج أسوار الشعر إذا كانت تظن حقا أن الزمنَ تجاوَزَه ؟ ذلك سؤال  تُرد عليه  الأناشيد الوطنية و الحزبية و غيرها.