إعلان

الانسان / إبراهيم الأندلسي

اثنين, 12/31/2018 - 19:55

ابن خلدون هو عبد الرحمن بن محمد، ابن خلدون أبو زيد،  1332م

ولي الدين الحضرمي الإشبيلي 
، ولد في تونس وشب فيها وتخرّج من جامعة الزيتونة، 
و هو صاحب التاريخ المعروف

من أقواله المشهورة:
" إن الإنسان إذا طال به التّهميش يُصبح كالبهيمة، لا يهمه سوى الأكل و الشرب و الغريزة "

الإنسان هذا اللفظ المُتداول ،
هل يعني البشر بصفته اسم جِنسٍ عام على كل الأفراد؟
 أم عليه أن يتَّصِف بصفات مُعيَّنةٍ حتى يستحق الوصف بهذا اللفظ؟
ارتبطت كلمة الإنسان كلفظ بمعاني سامية جميلة، مثل العطف و الحنان و المساعدة و المسالمة و المودة... و شكَّلت في الأذهان فضاءً فاضلا يتقاطع مع فكرة المدينة الفاضلة عند أفلاطون في عصور الفلسفة الأولى.
لكن الإنسان الكلمة تُطلق على البشر بأشكالهم و ألوانهم و لُغاتهم المختلفة، و لا يمنع ذلك من جعلها رمزا يحمل دلالة خاصة، كما يحدث مع مفردات كثيرة ، و في كل اللغات.

حاول الأقدمون التفريقَ بين الإنسان المتحضر الملتزم، و الإنسان البدائي المتوحش، فاستخدموا الكلمة للأول و حاولوا تجريدَ الثاني منها، بسسب أفعاله، و ضعف دفاعه، و هي أمور تجعله الأضعف و الأسهل لتطبيق المعايير عليه دون خوف، بعيدا عن الوازع الأخلاقي، و الضمير العلمي المستقل عن الأغراض و النزوات.

ابن خلدون رجل يعيش في وسط عربي في وقت انتشرت الصراعات القبلية و الجهوية و العرقية، و ازدهرت الممالك التي تُلغي دور الإنسان في الحياة، بل تجعله جزءًا من الملك و البضاعة و العمالة، و هذا الإنسان الذي تُغلق عليه الحظيرة الكبرى( الدولة) يتقاسم مع الدواجن جوانب الحرية المسموح به في إطار القانون؛ و هو التكاثر(الغريزة) و الأكل و الشرب بمعنى البقاء و استمرار الخدمة.

فما هو التهميش الذي يقصده ابن خلدون في مقولته هذه؟
هل يقصد التهميش السياسي و دور الفرد في الرأي و الاعتراض؟
أم أنه يقصد التهميش الاجتماعي و الاقتصادي و الإنساني بشكله العام؟

لا يعرف كثيرون أن دعامة التطور و الرقي التي تُبنى عليه الدول و الحضارات هي الإنسان، هذا الفرد المؤمن بالمشروع، المكافح لنجاحه، المُشارك في الفرحة و التحضير و التصور، المُستفيد في نهاية المطاف، فالدولة حين يَتم تأسيسها على رأي واحد و نظرة واحدة يكون أفق النجاح محدودا و ضيِّقا، و قد تقع في أخطاء تجعل المشروع (الدولة) عرضة للفشل و السقوط، لكن حين تكون المشاركة و الحرية و المِلكية العامة، يُمكن تصحيح الأخطاء دون الحاجة إلى الرجوع إلى المربع الأول(القائد)
و انتظار فهمه و فكرته الخاصة.

التهميش تحمل معاني عدة، فتهميش الدور السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ... و تهميش الدور المُتمثل في الفكرة و المشروع و الرؤية... و تهميش الأداء التعيم و الخبرة و التطبيق ... و تهميش التواصل و الإرشاد و التوجيه...
كل هذه الأنواع تقتُل مَلَكةَ التفكير و الثقة الذاتية التي تخلق مجال الأفق التصوُّرِي ،و الذي بدوره يُحفِّزُ الفكرَ و النموَّ العقلي و الصناعي ، و يفتح الصندوق العجيب صندوقَ الخيال ،الذي هو بداية الصناعة و التفوق.
و الأمثلة على ذلك كثيرة ، فدولة صغيرة المساحة كاليابان ، و هي مكان زلازل نشطة دائما، و خارجة من حرب مُدمرة ، استطاعت الاستثمار في الإنسان، فهي تمرِّر موارد الآخرين النائمين على عقول ابنائها المتطورة ، فيتحول المعدن رخيص الثمن ، إلى قيمة فائقة تتجاوز المعادن الثمينة، فتسترد ما انفقته على أطنان كثيرة بصناعة عدة اغرامات فقط.

فما الذي جعلها بهذه القوة؟
أهي القوة العسكرية؟
أم القبضة الحديدية؟
أم التضيق على الحريات؟

المعروف أنه ليس شيئا مما سبق، بل العكس  تماما ، فالاهتمام بالإنسان يبدأ بالتعليم و تهيئة الظروف المناسبة للتطوير الذاتي، تطوير القدرات و خلق الأفكار، و كل هذا لا يمكن بدون الحرية، و وجود انتظام دائم، و قانون مُطبَّق، و وجود امتيازات للتفوق و التسابق الدائم، و بذر حس وطنيِّ ، حس الأمة، الذي ينبُع من الفرد دون أن يُفرض عليه.

الحرية لا تتعارض مع مصالح الأفراد الحاكمين إلا في مجال ضيق، حين يجزم أولئك المُتحكِّمون  أن المكان الذي يشغَلونه ليس من حقهم، عندها يعتبرون الحرية مِصباحا شديد القوة  يكشِفُ أسرار الأشياء التي يمسكونها بأكفهم المُرتعِشة، و عند اكتشاف السِّر  قد تسقُط الأشياء بسبب الاهتزاز، أو الانتزاع، أو الخوف الداخلي المُسيطِر.

أما الأفراد الحاكمون الذين يتمتعون بمَلكة القيادة فالحرية تخدُم مشاريعهم الطموحة،تماما كما يحدث عند تطوير الشركات و انفتاحها على عالَمٍ أوسعَ و أشمل، فهم بقدراتهم قادرون على التنافس في مجال مفتوح، و حتى إذا خسروا دفة القيادة، فلا ينظرون من زاوية الخسارة( الفشل) لأنها لا تملك حيزا كبيرا من مُخيِّلتهم الناضجة، و مشروعُ دولتهم الناجح أهمُ  من المحصلات الفردية قصيرة الأمد و الأفق و الهدف.

و في النهاية فإن زاوية الرؤية و العُمق المعرفي للناظر(المجتمَع) ، و اتساع الطموح ، هذه الثلاثية وحدها  هي التي تملك القدرة على تجاوز المطبات؛ التاريخية و الثقافية و الاجتماعية و السياسية... و بدونها تظلُّ الحلول الأخرى المُتعلقة ببناء الأمم أشبه بمحاولة انتشال سفينة تغرق ، باستجداء الموج بأوشال الدموع و الرغبات، و قِراءةِ الكَفِّ و الطَّالع.