عندما أشرت- في تدوينة سابقة تنعي الراحل إلى رحمات الله: الزعيم السياسي: محمد المصطفي بن بدر الدين- إلى أني فخور بأن لي نصيبا من شرف المشاركة في إيصاله إلى قبة البرلمان لأول مرة، وصلتني على الخاص، تساؤلات عن فحوى تلك المشاركة، وطلبات لنشر نشيد كنت قد قلته في تلك الحملة، وخلاصة القصة أني كنت قد ترشحت مستقلا للبرلمان من دائرة توجنين 1996، أردت منه يومئذ أن كسر الصورة النمطية للشاب الفقير، وللمثقف غير المسيس، وللمرشح البرلماني الحر، وللاستقلالية، بعيدا عن قصدية المنفعة الشخصية، وبعيدا عن الارتهان للمنظومات القبلية، والجهوية، والحزبية، والايديولوجية.....وبعيدا عن الخطابات المنافقة المحنَّطة، والمنْحطة.. وبعد فشل تحالف تلك القوى عن إحباط مغامرة المرشح الأعزل إلا من إرادة إصلاح غير مغشوشة، وبعد تحقق فاعلية الخطاب الانتخابي المغاير للمألوف... في نفوس الطاقات الشبابية المتوهجة، وفي نفوس الكبار الطبين، لم يبق أمام الحزب الجمهوري المرعوب من تنامي نجاح الحملة المفاجئ،-حتى لهذا المرشح المغمور نفسه- إلا أن يلجأ للعبث في اللحظات الأخيرة بلائحة الناخبين، في مقاطعة توجنين، حيث كانت البطاقات الوطنية والانتخابية يومها مكتوبة بخط اليد، والطوابع بيد مسؤولي الحزب والحُكَّام، فغيروا اسم وتاريخ مواليد مقطع الحجار مسقط رأسي، وتكانت الوطن الرمزي لعائلتي، مثلما عاثوا بأسماء ومواليد شباب الناخبين بدائرتنا، تحسبا لتصويتهم لي، بعدما ظهرت بوارد تفيد أنهم شبُّوا عن الطوق الأسري والقبلي في الخيار السياسي، لتنهي المغامرة بنجاح فعلي كبير خارج صناديق الاقتراع، وفشل مفتعل داخلها، لم يكن مريحا للخصم/ الحكم ... ولم يكن مزعجا للمترشح "المهزوم"، حيث لم يراهن إلا على عدم قبول أي مساومة تغريه بالانتفاع الشخصي، على حساب من منحوا خطابه ثقتهم وأصواتهم، غير مدفوعين إليه برغب مادي، ولا مبالين - فيه- بأي رهب من تغول الدولة....وفي أول حملة انتخابية 2001 بعد تلك دورة 1996، كانت الحكومة قد ألغت حق الترشح المستقل، الذي بدا أكثر قبولا لدى الناخبين الأحرار من أوهام التحزبات المفلسة... وكان همي الوحيد هو أن أعود إلى من انتخبوني بعد خمسة أعوام، لأقول لهم: إني لم أبع أصواتهم بوظيفة، ولا بأي امتيازات، ولا إكراميات، وأني لم أغير خطابي كالببغاوات، ولا قناعاتي مثل الزئبق الرجراج، ولم أبدل جلدي كالأفعى، ولا لوني كالحرباء، ولم أستعر- بعدهم- أي قناع في كرنفالات السياسة التنكرية...وأني ما زلت ذلك المدرس الفقير العنيد...ولكن مشكلتي أن الترشح المستقل لم يعد متاحا، وأنا لا أريد تحزبا، وليست لدي صفة أستطيع بها أن أطلب من أي حزب معارض ترشيحي على رأس قوائمه البرلمانية، ولن أقبل غير موقع مميز يضيف إلى نجاحي الرمزي في الحملة السابقة، مع أني لا مال لي، ولا قاعدة انتخابية مضمونة، بعض الأحزاب التي كانت مشاركة- عبر تحالفات بينها- في حملة توجنين، وكانوا يعرفون تفوق حملتي المتواضعة العزلاء على حملاتهم العريقة والمدعومة، عرضوا علي-جزاهم الله خيرا- شرف المشاركة في ذيول لوائحهم، فرفضت ذلك الشرف الحقير، وقبيل انطلاق الحملة بادر حزب اتحاد قوي التقدم ، بمفاتحتي في الترشح معهم، استثمارا في تجربتي الانتخابية السابقة، التي كانت سجينة مقاطعة واحدة، واليوم أصبح الترشح عبر اللائحة الموحدة يفتح مجالها على ناخبي جميع مقاطعات أنواكشوط، وبعد حوار صريح وشفاف، ترشحت متحالفا مع الحزب لا منتميا، وطلب مني المرحوم بدر الدين أن اكتب نشيدا للحزب في حملته،. فقلت له: إني لا أسْتَكْرِهُ الشعر على التنزُّل، فإذا هبط علي شيء مناسب سوف أقدمه له، وإلا فإني معتذر مبدئيا. وهو شاعر يفهم ذلك.... وقد ترجمت لي الأستاذة خديجة جلو نشيد الحزب بالبولارية... فأعجبني المدخل التخييلي ذي الخلفية الرعوية.... لكني قلت لهم: سوف أستلهم النشيد من خلال استنطاق الشعار الفني المرسوم، والشعار الفكري المكتوب...... وعند كتابة النشيد وحصوله على إعجابهم جميعا...رفضت أنا أن تغنيه غير الفنانة المعلومة بنت الميداح.... فقالوا: إن الحملة وشيكة الانطلاق، والمعلومة مسافرة، ولن تعود إلا بعد انطلاق الحملة... فتماديت.... وتقبلوا محرجبن.. وبدأت الحملة ولا نشيد ينعشها إلا بإلقاءاتي المبحوحة..... وبعد أيام من من الحملة أنجز النشيد بغناء المعلومة، فكان ذلك هو ميلاده الحقيقي، وهو انطلاق الحملة الحقيقية للحزب، التي كان لي شرف المساعدة من خلالها في وصول بدر الدين للبرلمان، أول نائب يحصل عليه هذا الحزب، وقد كان تعاملهم معي راقيا، وشفافا، وبعيدا عن التحزب المغلق الأعمى، حيث تنازلت نخب الحزب وأطره الكبار.. في الترشح.. عن أعلي مرتبة ممكنة بعد الرمزين: بدر الدين، ودافا بكاري، اللذين من غير اللائق- حتى أخلاقيا- التقدم عليهما في حزبهما.. لضيف عابر لا يملك.. رصيدا ماليا، ولا سياسيا... وقد شكروني في النهاية واعتبروا أن لي دورا في نجاح الزعيم بدر الدين.... الذي لا يندم قطعا من ساهم في وصوله إلى البرلمان، فليست منابره تصلح إلا له... ثم عرضوا علي موقعا متقدما في مكتبهم التنفيذي المزمع انتخابه، فشكرتهم، واعتذرت عن التحزب، واعدا- بصدق- أني كلما احتجت تحالفا سياسيا يعوضني عن الاستقلالية المشروعة الموءودة ظلما وعدْوانا... فلن أجد حليفا أفضل منهم.. لكن المسار الأكاديمي نجح في تغريبي بعيدا وطويلا عن تصاريف فعل ساس يسوس.... أما النشيد المطلوب نشره، فهو:
حزْب اتحاد قوى التقدم.. يرْسمُ*** شمْسا.. وسُنْبلةً.. ونخْلا.. فافْهموا
الشمسُ: فجْر.. مُلْهِمٌ.. والزرْع: حلْـ***مٌ.. مُطْعِمٌ.. والنخل: رمْز.. أعْظَمُ
فأصولُه تَحْتَ التُّخُوم.. فُروعُه***فوق النجوم.. على المَدَى.. لا يُهْزَمُ
يا آدمٌ.. يا مريمُ.. هزا بجذْ****ع النَّخْلِ.. ها زرْعٌ.. وشمْسٌ تَبْسَمُ
يا جائعين، تقدَّمُوا.. يا تائهيـ***ـنَ، تَقَدَّمُوا.. يا خانعين، تَقَدَّمُوا
نحو اتحاد قوى التقدم.. تغْنَموا*** وتُكَرَّموا.. وتَكَلَّمُوا.. لنْ تَنْدَمُوا
والظالمون.. الخائنون.. السارقو***ن.. ليَخْسأوا.. يَتَقَزَّمُوا.. يتحطَّموا
الأرض- للتغيير- تهفو.. والسما***والقِسْمَة الضِّيزَى: تُمَلُّ.. وتَحْرُمُ
العدل آت.. والتَّوَحُّدُ دينُنا*** والحرياتُ.. مُقَدّساتٌ.. تُكْرَم
حزب اتحاد قوى التقدم.. قَدَّمُوا***عُمَدا.. همُ الأجْدى.. ونُوَّابًا.. هُمُ
المُدْرِكُونً لِمَا يُعاني شعْبَهُمْ***والحارسون.. لِحَقِّهِ.. إذْ يُهْضَمُ
لا الجاهلون.. النائمون.. الصامتو***نَ.. إلى مَتَى ذا البَرْلَمَانُ الأبْكمُ؟
