في فترات متقاربة فقدت الأمة المسلمة ممثَّلةً في جمهورية مالي ، اثنين من شوامخ جبالها ، رَجُلَيْنِ من أصحاب التّأثير المباشر على مجريات الأحداث في دولة كُلُّهَا أحْداث .
و ثَمَّتَ فقيدة ثالثة ، كان غيابها بمثابة طعنة نافذة في قلب كل مواطن شريف ألا : وهي السمعة الطيبة لدولة كان الانتماء إليها مدعاةً للفخر و التباهي .
لكن اغتيال مهندس الإصلاح في القطاعين الديني و التعليمي (عبد العزيز يتابري ) جاء ليبرهن بشكل واضح على همجية المرحلة التي تمر بها البلاد .
(الدكتور آدم سنكاري ) ثاني مواطن مالي يحصل على الدكتوراه بعد سلفه (الشيخ الدكتور إسحاق كوني) يرحمه الله إمامُ مسجد (نِيَمَكُورُو).
إنّ غياب أوّل رئيس لرابطة الدعاة في مالي (الدكتور آدم سنكاري ) و يليه اغتيال (عبد العزيز يتابري ) خلّفا ملايين الأيتام في القطاع الديني .
فالرَّجُلاَنِ رغم التحجُّر السائد لدى الكثيرين من دعاة المرحلة الحالية شَكَّلاَ حالة نادرة من النُّضُجِ الفِكْرِي ما يجعل غيابهما ثغرة قد لاَ تُسَدُّ .
و لم يكن في حُسْبَانِ قرية صغيرة في (بُغُونِي) جنوب مالي أن بإمكانها إنجَابَ سميٍّ ل(أبي البشر) ليحمل هموم أمّةٍ بأكملها ،
(الدكتور آدم سنكاري ) ولد في عام ١٩٤١ للميلاد و توفي عن ١٥ ابناً و بنتًا ، نهل قسطا من علومه في مدرسة دار الحديث بمدينة (بُوَاكِي ساحل العاج ) ثم واصل المرحلة الجامعية و من ثمّث الدكتوراه في المدينة المنورة ، و بالإضافة إلى تعلقه الشّديد بالمساجد و منابرها .
كان للشيخ الدكتور علاقات طيبة مع الإعلام المحلي ما جعل صوته يستعصي على كل عمليات المنع و التوقيف .
و أخيرًا تأتي ليلة الإثنين ٠١ جمادى الأولى عام ١٤٤٠ للهجرة الموافق ٠٧ يناير ٢٠١٩ لتشهد مع شعب مالي رحيل رجلٍ ستذكره الأجيال بلسان ملؤُه الثناء .
ليلتحق به بعد أسابيع قليلة شهيدُ الفجر عبدُ العزيز يتابري الذي لو لم تُفتّح للصَّلاةِ على جنازته أبوابُ الملعب الرياضي الكبير ( مَلعبُ مُودِبُو كِيتَا - stade modibo keita )
لسبّب ازدحام المصلين في مشكلة أخرى تزيد الطين بلة .
إنه مولود العاصمة العاجية ( Abidjan )
عام ١٩٥٥ للميلاد . تحمّل المسؤولية الإدارية في وقت مبكّر بعد الغياب المفاجئ لأبيه شيخنا يتابري عام ١٩٨٥ والذي يعتبر من أوائل مؤسسي المدارس الحرة في غرب إفريقيا .
عبد العزيز كان يدير شبكة تربوية كبيرة من المدارس و لقد كان لدراسته للشريعة و القانون في ليبيا كبيرُ الأثر عليه من حيث الوعي و المهارة في فكّ ألغاز السياسيين ، كان للمدير عبد العزيز إلمام باللغتين الفرنسية و الإنجليزية إلى جانب العربية كما أن انتماءه و تَمَرْكُزَهُ في قلب العديد من الجمعيات الإسلامية و الإصلاحية جعل من الصعب السماح له بالمضي قدما في مشواره الطويل.
يرحم الله فقيد البناء و الإصلاح.
قتل و هو في طريقه إلى المسجد لصلاة الصبح في ١٩ من يناير ٢٠١٩ .
و لكي لا تبقى في هامش الجهات المُعَزِّيَة فبإيحاء من (نادي النخبة الثقافية) نظمت منسقية الشعر و الشعراء في مالي أمسية تكريمية للفقيدين في ( المركز الإسلامي) في العاصمة المالية (بماكو ) شهدها و باركها وجوه علمية و أدبية بارزة .
قدَّم الأُمْسِيةَ الشاعرُ المالي ( عبد الله درامي) و كانت فرصة للشعراء أن يعربوا عن عميق حزنهم وكبير أسفهم لمصيبتين زلزلتا قواعد الحركة الإصلاحية . شعراء من أجيال مختلفة و مدارس شعرية متنوعة بكوْا و أبْكوْا ( باي سيد محمد دكوري ، أبو بكر سيمغا ، عمرو ساغو ، عمران توري ......) إن هي إلا أسماء لخّصنا بها لائحة طويلة من الشعراء .
كما أن الأديب الشاعر(أحمد دكوري) قرأ نبذة عن تراجم حياة الفقيدين علاوة على الحضور القوي للإمام الخطيب (الدكتور إبراهيم كيبي) الذِي وفِّقَ في جَذْبِ الأَنظار و هزِّ أوْتار القلوب .
و لو لم يشهد نديم الشعراء (الدكتور الفخري إبراهيم كالي) هذه اللحظة التاريخية من حياة الشعر المالي لشكّ كثيرون في شرعية المناسبة .
و لظروف شخصية فشلت عدسات الكاميرات في الحصول على صورة الجندي المجهول الأديب الروائي (مختار دكوري ) .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(عبد الله درامي)
(كاتب ، أديب ، شاعر ) من جمهورية مالي