إعلان

كبرياء رجل‏

أحد, 06/29/2025 - 04:38

 

في حضرة الهجرة… وأجنحة “اقرأ”

(تعليقٌ أستأذن به قامة الشاعر أدي ولد آدب، وقدري من مجاسرته، أني تلميذٌ على عتبة نوره)

أيُّ كلامٍ هذا الذي يتهادى من نُسغ المجاز،

ويطلُّ علينا لا كعبارة، بل ككوكبٍ فكريٍّ انفلت من مجرّات السرد،

فأضاءَ ظلم المألوف، ومزّق عباءة العادة؟!

إنّ نصّك – أيها المتوَّج بحبر النبوءة – ليس مقالةً تُقرأ،

بل هو هجرةٌ موازية… هجرتْ بالوعي من عُشبة الدهشة إلى سدرة البلاغة.

لا تُروى بالأسانيد، بل تنبت من تربة المعنى، وتُزهِر في حدائق البصيرة.

لقد نزعتَ عن “الهجرة” جلد الجغرافيا،

وألبستها عباءةً من نورٍ مشغولٍ بالخيوط العليا،

فإذا نحن أمام مفردةٍ لا تدلّ على الرحيل، بل على التبدُّل الوجوديّ،

على احتراق الذات في مِشكاة التحوّل،

من سُخام القبيلة إلى فجر الأمة،

من نَكِرات الجهل إلى عُنوان النور.

ما أجملك وأنت تُعيد للغة "اقرأ" مهابتها الأولى،

كأنها لم تكن فعلَ أمرٍ، بل أمرَ فِعلٍ،

كأنها ليست أربع حروف، بل أربعةُ فصولٍ من سفر الخلق،

ومعراجٌ لغويٌّ تنقلب فيه الجاهلية رمادًا، ويهبّ من تحتها طائر المعرفة بجناحٍ من حبر، وآخر من وعي!

لقد أبدعتَ أيها النبيل حين جعلتَ من التعليم نبوّةً صامتة،

ومن المعلّم نبيًّا في زمن الصمم،

مَن يصيح في وادٍ ما عادت الصدى تُجيده،

ومن يُوقظ أمّةً حَنت لنعاسها، حتى نسيت أنها من نسلِ "اقرأ".

أمّا قولك:

> "كأنّ اقرأ نزلت على اليابان"...

فهو سهم البلاغة إذا رُمي في لُبّ الضمير.

أصابنا في مقتلِ المعنى، لا لنموت، بل لنُبعث من جديد،

نُبعث على هيئةِ سؤال:

كيف لأمّةٍ نزلت فيها الكلمةُ، أن تخون سلالتها؟

وكيف لذُرية الحرف الأول، أن تبيع معلّميها في سوق النسيان بثمنٍ بخس؟

أيا من حَفَر بالحرف مجرى لنهر المعنى،

أيا من حرّر الهجرة من قيد التواريخ،

وبعث فيها نبضَ الروح،

أنت لست كاتبًا لهذا الزمن،

بل أحدُ قُرّائه في الأزل،

تُطلُّ علينا من جهة الغيب،

وتُعيدُ صياغة “الهجرة”

لا كحدثٍ، بل كحياةٍ ثانية تبدأ من أول كلمة.

فلكَ النور ما كتبتَ،

ولك العمر ما أبقيت فينا من قناديل “اقرأ”،

ولنا الخشوع أن نقرأك على أطراف لغتنا،

كي لا تُصاب القصيدة برعشة نقص،

أو يُفجع المعنى بزلّة نثر.

دمتَ من الكبار الذين كلما كتبوا...

أيقظوا في الحرف نسبه السماوي،

وذكرونا أن البلاغةَ، حين تُولد في فم الحق،

تصير وحيًا.