ندوة أدبية وفكرية للتعريف بستة كتب ألفّتها شاعرات وكاتبات موريتانيات تصدر بالتزامن في مسعى يستهدف تخليد شاعرة رائدة
مراسل إندبندنت عربية في موريتانيا
______
عاماً بعد آخر، يتجه اهتمام الموريتانيات بالاحتفال باليوم العالمي للمرأة، إلى مجال الثقافة والإبداع، وكانت نساء موريتانيا يسعين إلى تكريس مفهوم أن التحرر والحرية يعنيان المعرفة والثقافة والإبداع، وليس مجرد عرائض مطلبية حقوقية ترفع كشعارات.
وهكذا تستمر النشاطات المخلدة لليوم العالمي للمرأة، الذي يفرض تنوع أنشطته وتعددها، الاحتفاء المتواصل أسبوعاً كاملاً أو أكثر كل عام، وتأخذ هذه الأنشطة شكل ورش وملتقيات وندوات، أبرزها الندوة التي احتضنها بيت الشعر في نواكشوط ونظمتها مجموعة "سدنة الحرف" الأدبية والثقافية، وجرى خلالها التعريف بأحدث سلسلة منشورات أُطلقت في موريتانيا، وهي المنشورات المعروفة بـ "منشورات الشاعرة خديجة عبد الحي". وهي شاعرة موريتانية رحلت في العام 2002، وتعتبر رائدة من رواد الأدب الموريتاني المعاصر بشقَيه الشعري والسردي.
كتب ومنشورات نسائية
من أبرز الكتب الصادرة ضمن هذه المنشورات، كتاب "مساحة للقراءة" (مقالات نقدية) للشاعرة مباركة بنت البراء، و"الصوت النسائي في الأدب الموريتاني المعاصر" دراسة نقدية للكاتبة حواء بنت ميلود، و"دور التسرب المدرسي في زيادة ظاهرة جنوح الأطفال في موريتانيا" للكاتبة أماه بنت يونس (بحث حاصل على جائزة الدولة التقديرية)، وكتاب "الإدارة التعليمية في موريتانيا... الإشراف التربوي نموذجاً" للباحثة البتول بنت عبد الحي و"المادة الأدبية في صحيفة الشعب" للكاتبة والإعلامية مريم بنت أمود، و"خربشات على جسد وطن "للكاتبة والمدونة زينب بنت الحسن و"الشعر الموريتاني في القرن الرابع عشر الهجري" للأديبة أم كلثوم بنت المعلى، وديوان "قطاف" للشاعرة السالكة بنت المختار.
الشاعرة الرمز
وقد أعربت المؤلفات عن تقديرهنّ مبادرة إطلاق منشورات وكتب باسم امرأة مبدعة، ناضلت بقلمها من أجل تحرير المرأة الموريتانية، مثمّنات الدور الذي لعبته الكتابة النسائية في تحرّر المرأة الموريتانية.
وقالت الشاعرة والأكاديمية مباركة بنت البراء إن "أديبات موريتانيا وكاتباتها يعشنَ معكم لحظة المكاشفة في رحاب الإبداع، لحظة ترسم فيها المرأة رحلتها النبيلة مع الحرف".
إن الاحتفاء بتحرّر المرأة يبلغ أوج كماله حين يكون احتفاءً إبداعياً وثقافياً، بينما كشفت الصحافية الإذاعية مريم بنت أمود في إطار عرضها كتابها "المادة الأدبية في صحيفة الشعب" عن خزان أدبي كبير تمثل في منشورات صحيفة "الشعب" (شبه الرسمية)، وبيّنت كيف اندلعت أشهر معارك النقد الثقافي والأدبي بين رواد الشعر والنقد في بلاد المليون شاعر إبان ثمانينيات القرن الماضي.
وكرّست الكاتبة حواء ميلود صورة راسخة عن "الأدب النسائي" من خلال ملخص لما ورد في كتابها "الصوت النسائي في الأدب الموريتاني المعاصر"، وسجّل كتاب أم كلثوم بنت المعلى "الشعر الموريتاني في القرن الرابع عشر الهجري" تعريفاً مثيراً بحقبة مهمة من تاريخ الأدب الشنقيطي، بينما اتضح الحضور القوي للمرأة الموريتانية في تشخيص مشكلة التعليم في موريتانيا من خلال كتابَي "الإدارة التعليمية في موريتانيا... الإشراف التربوي نموذجاً"، و"دور التسرّب المدرسي في زيادة ظاهرة جنوح الأطفال في موريتانيا".
وسجّل الشعر حضوره القويّ من خلال المبدعات النواعم في هذه الندوة، ومن بينهنّ مباركة بنت البراء أو خنساء موريتانيا، كما يسميها البعض، وقد احتفلت قبل فترة وجيزة بتوقيع ديوانها الشعري السادس "مدى حرفين"، حيث شنّفت بنت البراء مسامعَ الحضور بقصيدتها عن القدس وعنوانها "رسالة إلى قناص"، القصيدة التي تتحدث بالصور والأخيلة الشعرية عن حادثة اغتيال محمد الدرة، واستمع الحضور إلى قراءات للشاعرة الشابة السالكة بنت المختار في ديوانها الجديد "قطاف".
الأدب الأزرق
كان من اللافت في هذه الندوة ظهور واحد من أشهر الأسماء النسائية الموريتانية في عالم التدوين عبر فضاء الإنترنت، وتعرّف الجمهور الموريتاني للمرة الأولى على الشخصية الحقيقية للمدونة "زهرة نرجس"، والتي ظهرت باسمها الحقيقي زينب بنت الحسن لتقدم تعريفاً بكتابها "خربشات على جسد وطن"، وبهذا الكتاب تسجل بنت الحسن نفسها ضمن مواليد "الأدب الأزرق" والذي باتت منصات التواصل الاجتماعي فضاء مميزاً لاحتضانه.
منشورات الشاعرة "خديجة عبد الحي"، كانت مقترحاً تقدم به قبل سنتين الشاعر الموريتاني المختار السالم، الذي يقول "ارتأيت أن يضاف عنوان جديد لسجل خلودها، وهو هذه المنشورات التي تتيح للمبدعات الموريتانيات فرصة النشر والتعريف بأعمالهن".
وكانت الاستجابة سريعة من المثقف الموريتاني والأكاديمي المقيم في فرنسا الدكتور بدي أبنو الذي بادر إلى نشر هذه الكتب التي تشكل إضافة نوعية إلى المكتبة الموريتانية والعربية".
احتفال الموريتانيات بالكتب والمنشورات التي حملت اسم الشاعرة خديجة عبد الحي لم يمر من دون أن يشهد شاهد من أهلها هو الأكاديمي والباحث الدكتور محمد عبد الحي الذي يرى أن "الأرض والأنثى هما منبع الحياة ورمزها، والإنسان هو قطب رحى الحياة ومدير حركتها، ومنزلة أنثى الإنسان المرأة من الإنسان، هي منزلة الإنسان من الحياة، وقد دأب بنوها على الاعتماد عليها في حياتهم منذ تكوّنوا في رحمها، مروراً بالحياة في حضنها صبياناً لم يدركوا بعد كيف يلبّون حاجاتهم الأولية، واستمروا في ذلك وهم في كنفها وتحت رعايتها، تعلمهم كيف يبدأون حياتهم وكيف يتعلمون ويفقهون الكون من حولهم، ويتعاملون مع محيطهم، ودأبت هي على تحمل نزقهم وهم مراهقون وشباب، وتحمّل تطاولهم وهم كبار أقوياء".
ضحّت أكثر من اللازم
وأشار الأكاديمي ولد عبد الحي إلى أنه منذ ظهرت مبادئ الحداثة التي تنظر إلى "الإنسان من حيث هو إنسان، بغض النظر عن جنسه ولونه وعرقه ودينه، بدأت المرأة تنتبه إلى أنها ضحّت أكثرَ من اللازم على حساب نفسها، وأن من ضحّت له كثيراً ذهب به الغرور إلى درجة أخرجها أحياناً، من دائرة الإنسانية التي علمّتها له، بل ذهب الغرور ببعضهم (مشرّعو مجتمع روما القديم) ذات مرة، إلى أن أدخلوها في دائرة الشياطين، وحرّموا عليها العالم الآخر".
وأضاف عبد الحي "لذلك بدأت المرأة تنتصر لنفسها، وتدعو إلى التحرر، ولئن بدأت منذ القرن التاسع عشر تتحرّك في هذا الاتجاه، فإن المنظومة الدولية لم تقتنع بمطلبها على المستوى الرسمي، وتُدرجه في نظامها إلا منذ العام 1977، وتبعاً لذلك، أقرّت يوماً في السنة للاحتفاء بهذا المطلب وتزكيته، ولعلها لم تقتنع به بعد على مستوى الضمير الجماعي، ولكن النساء الرائدات في الوعي بضرورة التحرّر يدركنَ أن ميراثَ القرون لن يزول بين عشية وضحاها.