في الحرية والمسؤولية... / د عبد الله السيد

أربعاء, 08/07/2019 - 17:22

د. عبد الله السيد (*)

في معظم الديمقراطيات توجد ترسانة من القوانين والنظم والأعراف تفرض على الفرد، وعلى المؤسسة، تحمل مسؤولية أفعاله وأقواله؛ فلا يستطيع أحد القيام  بأمر مخالف للقانون، كما لا يمكنه نشر كلام من شأنه الإساءة إلى أي جهة إلا بدليل معلوم.

 أما في ديمقراطيتنا فيمكنك أن تقول ما تشاء، وأن تكتب ما خطر ببالك دون الشعور بالمسؤولية الخلقية والقانونية؛ ودون أن تتصور أن للحرية الفردية قيودا؛ تتعلق بحقوق الآخرين  وأعراضهم وأموالهم، أو تتصل بقيمهم ورموزهم ومعتقداتهم؛ لذلك ربا الاعتداء على خصوصيات الأفراد والجماعات، وعلى حرماتهم، وازداد الاستهتار برموزهم وقيمهم ومعتقداتهم، وبلغ الأمر حدا بات الوقوف في وجهه ردة ديمقراطية؛ يمكن، للمعارضة استغلالها ضد الأغلبية، وتحريض الجماهير بناء عليها؛ وقد يصل الأمر حد تدويل القضية باستدعاء بعض المنظمات الدولية المناهضة لكبت الحريات... 
والحق أنه لا بد لنا في ظل ثورة الوسائط الإلكترونية، وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي من سن قوانين صارمة تضمن صيانة الخصوصيات والأعراض والمعتقدات والرموز والقيم؛ فتحصن بذلك كيان المجتمع وبنيته. فما الذي يمكن أن ينجر عن استخدام أفراد لهذا الوسائل لإثارة النعرات القلبية، والفئوية، والعرقية؟ ما الذي يمكن أن يسببه استخدامها للتحريض ضد العلماء والأئمة والفقهاء ومن ثم ضد المعتقد؟
أقول هذا لأنه وصلتني من شخص عزيز لم يسبق له أن راسلني عبر الواتساب في دقائق موجة هائلة من رسائل الكراهية والسباب بين أفراد؛ كل يظن أنه يدافع عن قبيلة، أو شخص؛ فبادرت إلى إخباره بعدم رغبتي في استقبال هذا النوع من المكالمات، وبينت له أضرار إعادة نشرها، وأنه داخل في محظورات شرع الله، فلم يردعه ذلك عن إرسال أمور من ذلك القبيل مرة أخرى؛ فاضطررت إلى حظر اتصالاته مع الإشعار.
إنه يجب علينا أن نتذكر حين الكتابة أو الكلام ما يمكن أن تسببه كلماتنا للآخرين وللمجتمع فنستدعي مسؤوليتنا، ونتذكر أن خالقنا الذي متعنا بأسماعنا وأبصارنا وأفئدتنا جعلنا  مسؤولين عنها، فقال جل من قائل: "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا"؛ وذلك قبل قرون كثيرة من القوانين التي وضعتها الديمقراطيات الحديثة لضبط حدود الحرية الفردية والجماعية، وتحديد مسؤولية الأفراد.

 

(*) أكاديمي ومثقفي موريتاني كبير ومدير بيت الشعر في نواكشوط