.........
أحببتُ الرَّسم منذُ اكتشفتُ قلم الرصاص، وحوَّلتُ دفاتري لنقوش من خطٍّ ورسم،.. الرَّسم كالموسيقى يُفسح خلوة بين مقامات النَّوم واليقظة، ويعزل عمَّا هُو نمطي.
جلستُ ساعات أيَّام البطالة الأنيقة، أتعهَّد ببصري المنشِّط الباسم أحمد العاقب (احميده) في صحن دار الشباب الجديدة، بمُحاذاة نافورة فسيفساء الزّليج الزرقاء، وهو يُحدّد بفنية أبعاد الوجه،.. تتلمذتُ لفترة على الفنان السوري عصام احطيطو، اكتشفتُ معه فوضى المرسم وروائح الخشب والأصباغ، والقماش المبلل، الضوء والظلال، انجذبتُ لرسم "البورتري"، واجتهدتُ ذاتيا في تعلُّمه، أحبُّ رسم الملامح المريحة إلى الجميلة، أحبُّ اقتناص سكينة وجوه ثابتة الاتزان.
أخذتُ على نفسي أن لا أخلّد وجهًا لا يتناغم مع داخله، أو لا تربطه علاقة صادقة مع الحياة، حتى لا أتورَّط في سكِّ عملة مُزيَّفة،.. فالرسم من الفنون المُترفِّعة عن القبح، احتركتُ الألوان لوجوهٍ دائمة على شَكْلٍ،.. وتركتُ الرسم بالحروف للوجوه التي لابَسَهَا التلون الباهت كالغشاء، لأرواح سرمدية التَّشكل، محجوزة بين نقيضين..
تعبر من أمامنا تعبيرات تستحق التثبيت في لقطة غامزة، مرَّة للعبرة والتبصر، ومرة للتأمل.
مرَّت بي الكثير من الوجوه القابلة للقسمة على عدة أزمنة،.. لم تكن استثناءً، فقد خُلقتْ من قبلها ومن بعدها سُنَن تدفعها زاوية ميلان اتجاه العدميَّة،.. ضننتُ بألواني عليها، فلا أحسنُ فنَّ تجميل العُيوب ورتق الثقوب،.. نفس الوجوه مرَّت بكَ حتما، ربما مرت من قربك، عايشتها واقعا أو افتراضا هي نماذج منَّا،.. سأرسمُ بعضها بالحروف!، نعم بالحروف.. فيعزُّ عليَّ أن أرش بألواني ملامح تحجبها طبقات من التَّقنُّع القهري، وقد ضيَّع ذهني خرائطها على أعتاب اللاَّمُبالاة، رغم أنِّي جمَّلتُ بها الذاكرة يومًا.