إعلان

محمد الحسن لبات بطل السلام في إفريقيا

أحد, 09/22/2019 - 19:51

محمد الأمجد محمد الأمين السالم

 

من المصادفات العجيبة أن أهم شخصية سياسية ساهمت في  استقلال السودان سنة  1956هو الدكتور محمد صالح الشنقيطي رئيس المجلس الدستوري السوداني الأول 
وهو موريتاني الأصل وأن الشخصية  الدبلماسية التي أطفأ أسوأحريق سياسي كاد يعود بالسودان إلى مربع الحرب الأهلية الشاملة  هو المفاوض والخبير الدولي الموريتاني الدكتور محمد الحسن ولد لبات مبعوث الاتحاد الإفريقي للسودان إثر أزمة 2019   
هذه الصدفة العجيبة التي حدثت  ما بين استقلال السودان سنة 1956
وتوقيع اتفاقية السلام بين أبنائه سنة 2019ستبقى مصدر فخر واعتزاز لكل الموريتانيين و السودانيين الذين تربطهم علاقات خاصة  يعززها تشابه وتقاطع في العلاقات الاجتماعية والثقافية ،
علاقات يعبر عنها الإعلامي وسفير موريتانيا السابق في السودان أحمد ولد المصطفى  بقوله :أتساءل بصمت أيغدر التاريخ بالجغرافيا إلى هذا الحد ؟أيسافر الإنسان ليعود لذاته  ؟إلى محطة ثلاثية الأبعاد ينصره فيها الماضي والحاضر في مستقبل أثافيه الدين والعرق ووحدة التطلعات 
شيئ من التاريخ:
 تقوم العلاقات الموريتانية السودانية على وحدة العرق والعقيدة  والمذهب الفقهي  وحتى المقرإ  وقد استوطن الكثير من علماء الشناقطة بلاد السودان فعلموا وكان لهم تأثير ثقافي واسع هناك
تعبر عنه إجازاتهم للعديد من علماء السودان ،وقد ساهم مسار رحلة الحاج الشنقيطي في ترسيخ تلك العلاقات
ففي سنة 1830احتلت فرنسا الجزائر مما جعل حجاج موريتانيا ينكبون يمينا بالتجاه السودان وهكذا ساهم طريق حج الموريتانيين الذي كانت محطته الأولى سلطنة دارفور في هذا التكامل الفريد
أهمية الحدث :
وضعت اتفاقية السلام الموقعة تحت إشراف مبعوث الاتحاد الإفريقي المكلف بالسودان الدكتور محمد الحسن ولد لبات 
نهاية لصراع اشتعل أواره إثر حراك سياسي سالت فيه دماء وكاد يعيد السودان إلى جو الفتنة الكبرى التي لم تندمل جراحها ،بعد تلك الحرب التي  بدأت منذ العام  1956  و كلفت السودان أكثر من مليوني قتيل وشردت أربعة ملايين وأكثر من اربعمأئةوعشرين ألف لاجئ وأعدادا لا تحصى من الجرحى والمعوقين مع ما خلفت من ثارات وأحقاد أما نتائجها الإقتصادية  السلبية  فهي مخيفة حقا فقد تسببت في انخفاض شديد في حجم الناتج القومي وارتفاع نسب البطالة وسوء الخدمات العامة وضعف المرافق واختلال البناء المؤسسيي وندرة المعارف الحديثة  وانتشار الأمراض وضعف الوعي الصحي وتطول القائمة السيئة لمعاناة السودانيين 
نتيجة حروبهم وصراعاتهم السياسية  التي فاقت الحروب والصراعات في نيجريا واغندا وروندا ولبريا وموزنبيق.
ولد لبات بطل السلام  :
لا يقل أبطال السلام أهمية عن أبطال الحرب، فكل من الطرفين يحقق النصر، والحقيقة أن الدبلوماسي الدولي محمد الحسن ولد لبات هو بطل السلام في إفريقيا حيث استطاع بتوفيق من الله وبحنكته وصدق نيته ،وخبرته في إدارة الأزمات، وتقريب آراء الجماعات المتصارعة .
لقد بهر ولد لبات العالم بنجاحه في حل تلك الأزمة المعقدة   في زمن قصير ،رغم تعقيدات المشهد السوداني الداخلي وإكراهات المحيط الإقليمي والدولي. فلماذانجح الرجل في تحقيق ماعجز عنه غيره من دول صديقة ومنظمات إقليمية ومبعوثين دوليين ؟ 
قبل الإجابة على هذا السؤآل يجدر بنا أن نقرأ في السيرة الذاتية للرجل لأنها تعبر عن معطيات وملكات لابد أن تكون ساعدته في مساره السياسي  التفاوضي الذي مكنه من هذا النجاح الباهر .
ولد الدكتور محمد الحسن لبات سنة 1953في ضواحي مقاطعة وادالناقه المقاطعة المجاورة للعاصمة انواكشوط وتربى في بيئة اجتماعية عرفت  بالمزاوجة ما بين سلطتي العلم والشوكة. فنشأمهتما بالعلم شهما .أبيا. ضمن تلك البيئة العلمية  المتميزة درس الفتى  ما يدرسه أبناء علية القوم  من قرآن ولغة وأدب ؛ وبعدما أنهى المرحلتين الابتدائية والإعدادية أصبح واحدا من قادة الحركة  الطلابية المعارضة البارزين؛ وقد كلفه هذا التوجه ثمنا بإهظا حيث دخل السجن لعدة مرات كما طرد من الثانوية .
غير أن معارفه المحظرية وطموحه  مكناه من النجاح ضمن أول دورة للباكلوريا  العربية  1974وهو الخارج من السجن للتو ليدرس بمدرسة تكوين الأساتذة ويعمل أستاذاوفيما بين سنتي 1977و1979خاض تجربة التدريس في عدة ثانونيات وطنية مع ممارسة السياسة ضمن حركة الكادحين المعارضة.   وإثر اندماج حركة الكادحين في حزب الشعب عين عضوا في المجلس الأعلى  للشباب.
 لم يشأولد لبات التعامل مع العسكر إثر إطاحتهم بنظام المختار ولدداداه ؛  فآثر الدراسة في كلية القانون بدكار وفي سنة 1987حصل على شهادة الدكتوراه في القانون الخاص من جامعة تولوز بفرنسا ؛ وعاد للوطن ليعمل أستاذنا بجامعة انواكشوط .
وفي سنة 1991عين على رأس اللجنة المكلفة بصياغة الدستور ليعين رئيسا لجامعة انواكشوط وهو المنصب الذي ظل فيه إلى أن عين سنة 1997وزيرا للخارجية والتعاون .
مكن المستوى الثقافي الرفيع والتجربة السياسية الواسعة الدكتور محمد الحسن ولد لبات من دخول العمل الدولي من بابه الواسع حيث عمل مع المنظمة الدولية للفرانكفونية التي أو فدته إلى بوروندي (1998▪ 2000)ثم عمل مديرا المكتب الوسيط الإفريقي  بجمهورية الكونغوسنة 2000وقد سجل نجاحا كبيرا في تلك المهمة وإثر نجاحاته الباهرة تلك عين سفيراللاتحاد الإفريقي في اثيوبيا ثم سفيرا في جنوب أفريقيا ولم تقتصر نجاحات ولد لبات في إطفاء الحرائق الإفريقية على ما ذكرنا سابقا، فقد نجح في التعامل مع الملفين 
التشادي الكونغولي.
  لقد رشحت كل هذه التجارب والنجاحات الرجل ليكون المبعوث الإفريقي للسودان سنة 2019 .
لابد أن هذه السيرة الذاتية المتميزة مكنت الرجل من بناء استراتيجية تفاوضية؛  تنطلق من الخبرة الواسعة في الصراعات الإفريقية وتتأسس على الحكمة والحنكة السياسية؛ 
غير أن عامل التوفيق في رأيي هو الذي أعطى ولد لبات مفتاح النجاح في السودان وفي جل الأزمات الإفريقية السابقة التي تعامل معها 
التوفيق  هو إرادة إلهية قد تستعصي على التفسير والتأويل العقلي .
ولأن الله إذا أراد شيئا هيأ له الأسباب فقد وفر عوامل النجاح وشروطه  في الرجل  فهو باعتبار ما سردنا من سيرته السياسية والثقافية مثقف من الطراز الأول، وسياسي محنك من العيار الثقيل؛ وخبير بملفات الصراعات والأزمات الإفريقية؛ إضافة إلى أنه خطيب مفوه 
ثم إنه ينتمي لبلد حبه وتقدير أبنائه محل إجماع من كل السودانيين بنى لنا مجدا الدكتور محمد الحسن ولد لبات مفخرة لموريتانيا  بنى لها مجدا ومكانة من خلال نجاحاته الدبلوماسية الباهرة وخصوصا نجاح مهمته الصعبة الأخيرة في السودان 
وهذا الطراز من الأشخاص رأس مال ومكسب كبير للأمة 
كما أن عالمنا المعاصر الذي يطبعه الصراع والتدافع بحاجة إلى حكماء  وخبراء سلام من نوع الدكتور محمد الحسن ولد لبات من ذوي  الحكمة والتجربة الواسعة  يدفعونه إلى السلام ويساهمون في إطفاءحرائقه المشتعلة 
ومن حق موريتانيا أن تفتخر بالدكتور محمد الحسن ولد لبات 
ومن واجب الإتحاد الإفريقي والدولة الموريتانية و هيآت المجتمع المدني الموريتاني أقول إن من واجب كل هؤلاء  أن يكرموا هذا الرجل ويشيدوا بنجاحاته الدبلوماسية.