انبلج ضوء الصبح والأديبان المفلقان لما يضعا حدا لمناظرتهما الطويلة، وفضل الحضور المعروفون بحسن ذائقتهم الشعرية ألا يبرحوا المكان حتى يُعرف على رؤوس الأشهاد أي المتنافسين أحرز قصب السبق، أي من سيحظى- بمناسبة"يوم لغة الضاد"- باللقب الشرفي "شاعر الحي". كان لكل منهما شيعته تملأ باطراد الأثير زغاريد وهتافات حتى قبل أن ينبس صاحبها ببنت شفة.
فجأة، صرخ أحد القوم مذعورا عندما لمسته يدان مصفدتان يلح صاحبهما على فك وثاقه، فانقسم المتسامرون بين شارد وفضولي ومضجر. وانصرف الأديبان المتنافسان على حياء، متعللين بتبخر النواميس الإبداعية لديهما. بعدها تحلق بعض القوم حول الرجل الجلف وهو يلقي الكلام على عواهنه بخصوص ذويه وحيفهم المفترض تجاهه. لم يفلح حديثه الممجوج في إقناع أي من الحضور بمحاولة تخليصه من غله، فأشار إلى جرح غائر في رجله دغدغة للعواطف من حوله، إلا أن أحدًا لم يحرك ساكنا. تنهد الرجل وبحساسية مرهفة أشار إلى القوم بحاجته الماسة إلى الطعام، فتطوع أحدهم وأحضر قصعة من خزف بها بقايا وجبة ثريد. لعق الرجل الإناء بشراهة ونهم ثم رفع رأسه وحدق بالنظر إلى الجمع من حوله وكأنه يراه لأول مرة ثم سألهم: "لم اجتمعتم أصلا؟". فأجابه صاحب القصعة: "كنا بصدد اختيار شاعر حينا، إلا أن قدومك أربك العملية فانصرف المتأهلان". فأنشد الرجل: " وما الناس إلا راحل ومودع# وما الدهر إلا جامع ومفرق". واستطرد : "الشعراء يضربون على الدوام في مناكب الأرض بحثا عن نفَس الإلهام!". عندها تدخل أحدهم سائلًا الرجل: "هل تتذوق الشعر؟"، فرد الرجل: "كل الشناقطة أشعر من لبيد، ما لم يثبت العكس"! ثم واصل: "وعلى الرغم من ذلك عليكم أن تستحضروا على الدوام:
يا باري القوس بريا ليس يحسنه# لا تظلم القوس اعط القوس باريها".
تدخل صاحب القصعة ممازحا الرجل، فقال:
"وليس المرء بصادق في أقواله# حتى يؤيد أقواله بأفعال!"
انفجر الرجل ضحكا فانفك غله تلقائيا وشرع في إقناع القوم بإعطائه فرصة المشاركة في مسابقة "شاعر الحي" الليلة الموالية...