«لَا نَلْتَقِي إِلَّا بِأَمْرِ وِسَادَةٍ
فِي لَيْلَةٍ وَتَصُدُّنَا أَعْوَامَا!»
ــــ شعر يحيى الشيخ ـــــ
قُولُوا لِمَنْ أَضْحَى الْعِتَابُ عَقِيدَةً
فِي قَوْمِهَا حَتَّى ارْتَقَى إِجْرَامَا:
لَا تُرْضِعِي طِفْلَ الْغَرَامِ مَلَامَةً
كَيْ لَا يَشِبَّ كَخَالِهِ لَوَّامَا!
مِنْ صُلْبِهِ الْأَرْحَامُ تَحْضُنُ نُطْفَةً
تَهَبُ الْحَيَاةَ مَدَى الزَّمَانِ لِئَامَا
فَتَرَى الْوُجُودَ وَقَدْ تَبَدَّلَ لَوْنُهُ
عِنْدَ الْوِصَالِ تَنَاطُحًا وَصِدَامَا
آهٍ إِلاَمَ الْكُرْهُ يَكْبُرُ بَيْنَنَا
وَالشَّتْمُ قُولِي كَيْفَ عَادَ عَلَامَا؟
إِنِّي مَتَى قَبَّلْتُ كَفَّكِ رَاجِيًّا
عَفْوًا تَأَكَّدَ حُكْمُهُ إِعْدَامَا
تَضَعِينَ عُنْقِي تَحْتَ مِقْصَلَةِ الْهَوَى
ظُلْمًا عَلَى جَسَدٍ عَلَيْكِ تَرَامَى
مَا الْحُبُّ، أَنْتِ أَذَقْتِنِي طَعْمَ اللَّقَا
عِنْدَ الْوِصَالِ، يَكُونُ لِي إِكْرَامَا؟
إِنِّي لَأَخْجَلُ، كُلَّمَا حَاوَرْتِنِي
فِي قُبْلَةٍ كَانَ الرَّحِيقُ خِصَامَا!
وَلَكَمْ سَأَلْتُ قُضَاةَ عِشْقٍ أَجْزَمُوا
أَنْ مَا أَحَلَّ اللهُ لَيْسَ حَرَامَا
أَمَّا الْمُحِبُّ إِذَا الْحَبِيبَةُ أَجْفَلَتْ
أَوْ إِنْ يَمُتْ تَكُنِ الْجِنَانُ مَقَامَا
هُوَ كَالشَّهِيدِ يَقُولُ لِي قَاضِي الْهَوَى
دَعْ رِيقَهَا حُورًا تَجِدْ وَمُدَامَا
دَعْ كُلَّ هَذَا الْعِشْقِ إِنَّكُ مُرْهَقٌ
وَاطْبَعْ عَلَيْهِ مُوَدِّعًا أَخْتَامَا!
وَلَكَمْ أَقُولُ مَتَى تَجِيءُ وَعِطْرُهَا
بِالشَّوْقِ أَنْعَشَ قَبْلَهَا الْأَجْسَامَا:
بَيْنِي وَبَيْنَ أَحِبَّتِي مِثْلُ الَّذِي
بَيْنِي وَبَيْنَكِ قَدْ غَدَا أَرْقَامَا
تَبْقَى الْهَوَاتِفُ لَا تَفِي بِوُعُودِهَا
وَأَخَالُهَا عِنْدَ الْكَلَامِ لِطَامَا
وَشِقَاقُنَا فَتَحَ الْحُدُودَ لِشَكِّنَا
فَمَحَا الَّذِي كُنَّا نَظُنُّ غَرَامَا
لَا نَلْتَقِي إِلَّا بِأَمْرِ وِسَادَةٍ
فِي لَيْلَةٍ وَتَصُدُّنَا أَعْوَامَا
بَيْنِي وَبَيْنَ أَحِبَّتِي أَنْتِ الَّتِي
بَحْرٌ تَبَخَّرَ مَوْجُهُ أَحْلَامَا
وَلَكَمْ وَقَفْتُ عَلَى الضِّفَافِ بِصَدْفَةٍ
فَسَمِعْتُنِي لَا أَسْمَعُ الْأَنْغَامَا!
وَلَكَمْ بَعَثْتُ مَعَ النَّسِيمِ رِسَالَةً
عَادَتْ إِلَيَّ تُعِيدُ لِي الْأَسْقَامَا!
أَشْعَلْتُ نَارَ الشَّوْقِ فِي وَطَنِي فَمَا
كَانَتْ عَلَيَّ كَمَا اشْتَهَيْتُ سَلَامَا
هَلْ أَخْطَأَ الْعُشَّاقُ يَوْمَ تَقَمَّصُوا
إِبْرَاهِيمَ جَدًّا فَاسْتَوَوْا أَقْزَامَا؟
هُمْ أَسْلَمُوا وَرَأَيْتُهُمْ فِي فِعْلِهِمْ
قَوْمًا بِمَكَّةَ خَالَفُوا الْإِسْلَامَا!
قَدْ قُلْتُ، إِبْرَاهِيمَ، كُلَّ حَقِيقَةٍ
مُذْ صَارَ بَيْتُكَ بِالْحِجَازِ مَقَامَا
وَتَخِذْتُ دِينَكَ فِي التَّخَاطُبِ قُدْوَةً
حَتَّى كَسَرْتُ بِمَكَّةَ الْأَصْنَامَا
مَا كُنْتُ أَدْرِي أَنَّ إِسْمَاعِيلَ قَدْ
يَغْدُو هُنَالِكَ كَالرِّمَالِ رُكَامَا
أَوْ أَنَّ زَمْزَمَ هَاجَرٍ قَدْ يَخْتَفِي
وَتَبِيتُ مِصْرُ تُؤَلِّهُ الْأَهْرَامَا
أَوْ أَنَّ دِجْلَةَ بِالْعِرَاقِ مَرِيضَةٌ
لَمَّا انْتَهَى قَبْرُ الْوَلِيِّ حُطَامَا
أَوْ أَنَّهَا الشَّامُ الَّتِي شَرْيَانُهَا
حِينَ الْقُلُوبُ طَغَتْ غَدَا أَوْرَامَا
أَوْ أَنَّ غَزَّةَ تَخْتَفِي مِنْ حَيِّنَا
عَلَنًا وَتَلْعَنُ حَوْلَهَا الْأَقْوَامَا
أَوْ أَنَّهُ الْمَلَكُ الَّذِي قَهَرَ الْعِدَى
عِنْدَ النِّطَاحِ سَيَرْفُضُ الْإِقْدَامَا
أَوْ أَنَّ لِي رَبًّا، أَقُولُ عَقِيدَتِي،
وَأَرَى الْعَقَائِدَ تَقْتُلُ الْإِلْهَامَا
أَوْ أَنَّ لِي شَفَةً؟ بِهَا عُقَدٌ مَتَى
أُلْقِي الْكَلَامَ فَلَا أُجِيدُ كَلَامَا
أَوْ أَنَّ لِي وَطَنًا سَيَلْفِظُ جُثَّتِي
يَا مِحْنَتِي إِنِّي انْتَهَيْتُ رَغَامَا!
أَوْ أَنَّهَا الْأَرْضُ الَّتِي وَدَّعْتُهَا
وَسُقِيتُ مِنْهَا فِي الْهَوَى الْآثَامَا
وَبَكَيْتُنِي وَبَكَيْتُهَا، أَنَا لَمْ أَعُدْ
إِلَّا أَنَا أَسْتَعْذِبُ الْآثَامَا!
وَكَمَا الْمُحَارِبُ حِينَ يَجْبُنُ هَارِبًا
فِي السِرِّ أَرْفَعُ غَضْبَتِي أَعْلَامَا
اَلْحُبُّ تُفْزِعُنِي أَنَا شَهْقَاتُهُ
وَالثَّدْيُ جَفَّ وَلست بعد فِطَامَا!
إِنِّي أُحِبُّكِ لَا تَكُونِي فِي الْهَوَى
وَطَنًا يَئِنُّ وَيُنْجِبُ الْأَيْتَامَا
وَتَظَلُّ تَكْبُرُ بَيْنَنَا آهَاتُنَا
تَئِدُ الصَّبَاحَ وَتَنْتَهِي إِظْلَامَا
فَلِمَ الْعِتَابُ وَبَيْنَنَا أَيَّامُنَا
تِلْكَ الَّتِي هِمْنَا بِهَا أَيَّامَا؟
خَلِّي الشَّتَائِمَ وَافْتَحِي بَابَ الْهَوَى
قَدَرٌ يَمُرُّ وَآخَرٌ يَتَسَامَى!
هَلْ تَعْلَمِينَ، غَدًا سَتَبْزُغُ شَمْسُنَا
وَيَصِيرُ لَيْلُ ظَلَامِنَا أَوْهَامَا؟
خُلقَ الْهَوَى مِنْ ضِلْعِ آدَمَ فَجْأَةً
حَتَّى يَكُونَ عَلى الْهَوَى قَوَّامَا
وَخُلِقْتُ مِنْكِ وَصِرْتِ حَوَّائِي أَنَا
وَغَدَوْتُ آدَمَ لَا أَوَدُّ فِصَامَا
مَا الْحَجْرُ يَطْرُقُ بَيْتَنَا كَذِبَ الَّذِي
فِي الْحَجْرِ عَطَّلَ بَيْنَنَا الْأَرْحَامَا!
باريس، بتاريخ 02 يونيو/جوان 21020م.