هجروا ألاك كأنهم أغراب
ودياره للساكنين رحاب
قالوا ألاك حظيرة منسية
والمكث فيه تخلف وعذاب
رحلوا ولم تُُستبق من آثارهم
آلا مقابر أهملت وخراب
باعوا منازلهم وباعوا الأرض وار
تحلوا إلى مدن العذاب فذابوا
باعوا المزارع، والزرائب، والحما
ئم ثم بيع القط والسنجاب
باعوا الجداول، والجدائل والحصى
بيع القطا والأرنب الوثاب
باعوا المواقف، والثوابت، والأقا
رب، ثم بيع اللوح والمحراب
بيعت بقايا من دعا جداتهم
والقفل والمفتاح والدولاب
باعوا المباخر والخلاخل ما نجا
قفص الدجاج وما نجا المحلاب
لم يتركوا حجرا ولا مدرا ولا
شجرا ولا دارا لها أبواب
نزعوا خمار مدينتي وإزارها
كي تستظل بعريها الأخشاب
واسترخصوا أثداءها حتى غدت
جرداء لا ماء ولا أعشاب
فالدار تنزف والحجارة والحصى
والحبر والتاريخ والآداب
هذي حروف ابن الحسين تعفنت
وجواد سعد خائف هياب
تستنكر الديَّار شكل وجوههم
لا يُذكرون إذا أتوا أو غابوا
لا يَذكرون مساجدا ومحاظرا
قد عز فيها دفتر وكتاب
لا يذكرون مخابزا ومزارعا
فيها نما الخباز والحطاب
لا يذكرون أزقة ومزالقا
كانت لهم في ليلها ألعاب
لا يذكرون مدائن البقر التي
يحيا بها الأستاذ والبواب
والأرض أم إن هجرت رحابها
وتمددت في بعدها الأحقاب
جفَّت عيون حنانها وتمزقت
من حزنها الأحداق والأهداب
من غاب غاب عن المحافل ذكره
وتعطلت في دربه الأسباب
إن قال صم الناس عن كلماته
ما للبعيد عن البلاد خطاب
فدعوا ألاك لمن يعمر أرضه
لا يمكن التعقيم والإنجاب
أهلا وسهلا بالكرام ومرحبا
فهمُ هنا الإخوان والأحباب
أهلا بمن أحيا المدينة بعدما
سفكت دماها هجرة وغياب
فهم المدينة أرضها وسيولها
أشجارها وغديرها المنساب
ومروجها المتبرجات وماؤها
وصفا روته مآذن وهضاب
شكرا لهم، صانوا ألاك وأرضه
من فضلهم، ولفضله ما عابوا
زرعوا المحبة والمروءة والوفا
في نيل ذاك المبتغى ما خابوا
هم أهله والحافظون لعهده
لا الحاقدون، ولا جفا من غابوا
فالأرض تعشق من يحلل صمتها
في صمتها للسائلين جواب
والأرض ترفض أن يحطم ذكرها
ولتسقط الأسماء والألقاب
وليسقط التاريخ إن ذلت به
وليرحل الطماع والصخاب
هذا ألاك الرحب ما مِيزت به ال
أعراق والألوان والأنساب
يسع الجميع بسلمه وأمانه
شهدت بذا الأعجام والأعراب
ولترحل الأصنام في أغلالها
ولتسقط الأزلام والأنصاب
أطماعنا هي قبحنا، هي ذلنا
هي أن تٌبجَّلَ بومة وذباب
قسنا ألاك على مساحة جيبنا
فتسيد النمام والكذاب
فدعوا المدينة من تفاهة لغونا
لن يفلح الحمقى وإن هم تابوا
عصر التفاهة إن طغى مات الإبا
وتصدر القََوَّاد والنصاب
وألاك ليس بطاقة شخصية
يحظى بها الأمراء والحُجَّاب
وألاك ليس قبيلة عصبية
يطغى بها السياف والقصاب
تقف الكلاب الزرق في طرقاتها
وعلى المداخل خصية وحراب
وألاك ليس مدينة حجرية
يحيا بها الصعلوك والغصاب
تشري التمائم من مشاقة مومس
يغنى بها الدجال و'الحجاب"
وألاك ليس مغارة جنسية
يلهو بها الشذاذ والعزاب
ما ذا ألاك، وذاك نفح أضاته
وضبابه ومساؤه الخلاب
ورجاله ونساؤه وجسوره
والشعر والشعراء والكتاب
والرسم والقرآن والترتيل وال
الإملاء والتصريف والإعراب
والفقه والإيثار والعُبَّاد وال
تجار والوعاظ والطلاب
هذا الكفاف وذاك مسند أحمد
ذاك المعين وذلك الحطاب
هاذا بلال، وذاك جِيبِ، وهاوَ با
والمصطفى، والقطب، واجَّبَّاب
والكادحات الصابرات على الطوى
والطاهرات جمالهن حجاب
بوكى هنا وهنا أطار وشوم وال
حوضان ثم هنا تجكج وغابو
فهنا التناغم والتعايش والوفا
وليسقط (التيبتييب والتيبتياب)
وألاك أعظم من مواجع عابر
عصفت به الآلام والأتعاب
وألاك باق فيه ما لا يشترى
مهما قست في جسمه الأعطاب.