اقتنيت بحمد الله و منه نسخة من ديوان صديقي الشاعر اللبيب، و الأديب الأريب الشيخ ولد بلعمش من مكتبة "جسور- عبد العزيز" بعمارة مامي.
ديوان صديقي الشيخ رحمه الله تحفة أدبية نادرة، كأنها الخميلة تزدهي بورودها و أزهارها المتفتقة الأكمام، التي ينتقل المرء فيها بذائقته ما بين حسن و أحسن و جيد من الشعر و أجود.
تناول الشيخ رحمه الله في شعره مختلف الأغراض الشعرية، إلا الهجاء، فأخلاق الرجل و شمائله التي تخجل الشمول تأبى عليه أن يتطرق لهذا الغرض، رغم أنه كثيرا ما يغضب حين تنتهك حرمة الله أو الوطن أو القدس، و لعل سورَة هذا الغضب النبيل هي التي فجعتنا فيه، حين لم يستطع قلبه الجميل كأترجة أن يتحمل نبأ جعل القدس عاصمة لاسرائيل.. غير أن هذا الغضب الذي تعوّد أن ينفجر بركانا شعريا لم يكن ينبو و لا يثلب، و إنما كان قوة ناعمة، تغضِب و هي تطرب.
تعود علاقتي بالشيخ لزهاء خمسة و عشرين عاماً، محضني فيها الود و محضته إياه، و كان يقول لي ممازحاً "أنا مبتلىً بحبك".. فأجيبه "جعل الله ذلك كل حظك من البلاء"..
سجنني ولد عبد العزيز فلم تمنع الشيخ وظيفته في "سنيم" جزاه الله خيراً من أن يكتب شعراً في مؤازرتي، يلين له قلب الصفواء.
لم أر في حياتي شاعراً يشبهه شعره أكثر من الشيخ، فهو كشعره جميل، أنيق، صادق، حساس، يفيض حباً و مشاعر طيبة لو قسّمت على البرية لكفتها..
مرة راجعت الشيخ رحمه الله في موقفه من اليسار، فقال لي "يعجبني صدقكم في مبادئكم و جسارتكم في المنافحة عنها".. و أردف: "تتمخض في داخلي بنت فكر سأرضيك بها"، و بعدها بأيام بعث لي قصيدته عن "السميدع" التي تشرفت بأن كنت أول قاريء لها، و قال لي: آلآن رضيت يا صديقي؟!.
أشكر وزارة الثقافة على هذه التحفة و العلِق النفيس.. و أشكر أخوتي أولاد بلعمش الطيبين، و أولهم صديقي و زميلي سيدي محمد على الجهد الجهيد الذي بذلوه ليبقى الشيخ حياً في الذاكرة بشعره و سحر بيانه. و أتمنى لو يجمع نثره أيضا في دفتي كتاب، فما كان الشيخ شاعراً أكثر منه ناثراً.. و إذا كان من حسن حظي أنني كنت معاصرا لهذا الشاعر الظاهرة و صديقا له فمن سعد طالعي أيضا أن اقتنيت نسخة من "نقوش مسافرة".
اللهم ارحم الشيخ ولد بلعمش.