صحراء ميديا - وادان
ارتدى السفير البريطاني دراعة موريتانية مع لثام صحراوي عتيق، وهو يتكئ على مرفقه تحت خيمة نصبتها وزارة الخارجية في مدينة «وادان» التاريخية، بينما ارتدت السفيرة الأمريكية، ووالدتها بجانبها، ملحفة وهي تتناول كأسًا من الشاي الموريتاني الأصيل.
كان السفيران، وهما يمثلان اثنتين من أبرز الدول العظمى، مندمجان في فعاليات النسخة العاشرة مهرجان «مدائن التراث»، ووجدا فرصة ذهبية لقضاء خمسة أيام هادئة في مدينة معزولة منذ تسعة قرون في عمق الصحراء، بعيدا عن ضوضاء العالم وصخبه الذي لا يتوقف.
ولكنهما كانا يكتشفان الثقافة والتاريخ الموريتانيين، الذين تجسدهما مدينة «وادان» بسكانها وعمرانها، فظل الدبلوماسيون يتجولون في أزقة المدينة التاريخية، لاكتشاف القصص والحكايات التي يخفيها كل بيت، وتتوارى خلف كل حجر.
الخيمة الدبلوماسية
السفيرة الأمريكية ووالدتها بالزي الموريتاني
ضمن فعاليات المهرجان، أقامت وزارة الخارجية الموريتانية حفل غداء على شرف أعضاء من السلك الدبلوماسي في البلاد، وصنفت الحفل ضمن ما سمته الدبلوماسية الثقافية، وأطلقت عليه اسم «الخيمة الدبلوماسية».
وزير الخارجية إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في خطابه أمام الحاضرين تحت «الخيمة الدبلوماسية» استحضر إشعاع «مدن القوافل» الذي جسدته مدينة وادان لعدة قرون، كعنوان لما سماه «ذاكرة إنسانية مشتركة، غنية بالمبادلات الثقافية والاقتصادية في سياق حضارة المنارة والتجارة».
الوزير الذي يقود الدبلوماسية الموريتانية، استحضر أيضًا في خطابه، من سماهم «سفراء المحظرة الشنقيطية» مستذكرا علماء وادان الذين أسسوا لما اعتبره «الدبلوماسية الثقافية والقوة الناعمة لأرض المنارة والرباط، التي ما فتئت في كل زمان ومكان سفارة مفتوحة لمنظومة كبرى من قيم التسامح واحترام الآخر».
السفير البريطاني تحت الخيمة الدبلوماسية
وأضاف ولد الشيخ أحمد أن خطاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في افتتاح مهرجان مدائن التراث، أوضح عنايته بالثقافة والتراث وضرورة «زيادة إشعاع الدبلوماسية الثقافية»، التي قال إنها كانت «رسل خير ومحبة وتواصل إيجابي مع الثقافات والحضارات».
ونظرا لموقع مدينة «وادان» ضمن المجال المعروف بمنطقة الساحل والصحراء، التي تواجه تحديات أمنية كبيرة، قال وزير الخارجية الموريتاني إن «ظاهرة العنف والتطرف نتاج خلل ثقافي وفكري عميق في فهم رسالة الإسلام وقيم التسامح فيه»، مؤكدا أن موريتانيا «تساهم بدور فعال في احتواء هذه الظاهرة الغريبة عبر مقاربة فكرية وأمنية».
وأكد الوزير أن هذه المقاربة «جعلت بلادنا -ولله الحمد- تسير اليوم نحو مزيد من الآفاق الواعدة في أجواء من الأمان والسكينة والاستقرار ، وهو ما يدل عليه الآن هذا الحضور المكثف لضيوف الخيمة الدبلوماسية بوادان».
ندوة وشعر
كان الوزير في خطابه يمهد لندوة أنعشها الدكتور الخليل النحوي حول قيم التسامح في الإسلام وملامح ذلك في السيرة النبوية، كانت تحت عنوان «التسامح والآخر في خلقه صلى الله عليه وسلم».
وقال المحاضر إن الرسول صلى الله عليه وسلم «يحث على التسامح والتعايش ونبذ العنف والتطرف»، وذلك لبعث «روح التسامح والتعاون والحوار امتثالا لقول الله جل وعلا: {وجادلهم بالتي هي أحسن}».
وفي سياق حديثه عن مدينة وادان، قال الخليل النحوي إنها «ظلت عبر التاريخ مدينة إشعاع ثقافي وحضاري»، ووصفها بأنها «مدينة الدبلوماسبة والمعرفة والتسامح».
وضمن فعاليات الخيمة الدبلوماسية ألقى الشاعر سيدي ولد لمجاد قصيدة تحت عنوان «حداء بين نجد ووادان»، كما حضر الفنان الموريتاني المعروف سدوم ولد أيده، مع فرقته الموسيقية لأداء وصلات غنائية ركزت على المديح النبوي، تبعها عرض مسرحي عن رحلة القوافل وعطاء الثقافة والتراث في مدينة «وادان» التاريخية.
واختتمت «الخيمة الدبلوماسية» بزيارة المعلم الجيلوجي والسياحي المعروف «كلب الريشات» القريب من مدينة وادان، والمعروف في الأوساط العلمية باسم «عين أفريقيا»، واشتهر في الصور التي التقطتها محطة الفضاء العالمية، وخاصة صور وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا».
تعليقات السفراء
السفارة الأمريكية في نواكشوط نشرت عبر صفحتها على الفيسبوك صورا من حضور السفيرة للخيمة الدبلوماسية، وقالت إنها كانت فرصة تحدثت فيها مع «شخصيات مرموقة حول ثقافة وجمال موريتانيا».
كما عبرت السفيرة عن استمتاعها ووالدتها، بعرض ضوئي قدمه المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو ضمن فعاليات المهرجان، وقالت إنها «كانت فرصة لتهنئة سيساكو بمناسبة تعيينه سفيرا للثقافة الموريتانية».
وقبيل مغادرتها مدينة وادان التاريخية، زارت السفيرة الأمريكية المرشدة السياحية المعروفة في وادان زايدة بنت بلال، وكتبت السفارة على الفيسبوك: «استمتعت السفيرة كيرشت بشرب الشاي مع السيدة زايده بنت بلال في تعاونيتها النسوية في ودان».
من جهته نشر السفير البريطاني كولين ويلس تغريدة على تويتر تضمنت صورا له في «الخيمة الدبلوماسية»، وتقدم بالشكر إلى وزير الخارجية على الحفل وتمكينه من الاستماع إلى «الخطاب الملهم للشيخ الخليل النحوي حول الإسلام والتسامح».