أبو العباس أبرهام
وذكَرت في رسالتِك شيئاً عن الوزراء؛ وأنهم ليسوا كأسي المفضّل من القهوة؛ واستنصحتني فيهم. فأقول: ليست عندي مشكلة شخصية معهم. فهم غالبية أهل البلد. إضافةً إلى أنّ مرقهم لا يؤذي. ثمّ إنّ طرائقهم قِدَدٌ. منهم من يطير، لأن الله إذا أراد هلاك النملة جنّحها. ومنهم من يمشي على بطنِه. وهم عادةً قصيرو العمر السياسي، كثيرو الاجتماعات والتواقيع، ولا يبدو أنّهم يفهمون جيّداً ما يفعلونه. ويقضون معظم وقتهم في إعادة هيكلة الوزارات وإفساد ما أصلَحه الوزراء قبلهم وإصلاح ما أفسَدوه. وهم، هكذا، كهبنّقة، الذي كان "يُفسِد ما أصلَحه الله؛ ويُصلِح ما أفسَده الله".
ويتكلّمون كثيراً في آذان الصحافة والمدوّنين والمورّدين والجواسيس والمافيا. ولهم خطّ ساخن مع العشيرة والحلفاء. وهم، عموماً، أنصاف وزراء part-time، منصرفين إلى غير توزّرهم. وعموماً فليس الوزير أعقَل الناس في بيتِ أهلِه. وعادةً ما كان يمضع الشراويط في صباه. ولكنه في كِبَره نال الإمارة بالخنا. ومعظم فساد البلد جاء من تواقيع الوزراء. ولا هُم يحزنون. والوزير إمّا ساقِط الياء أو ساقِط الواو: إما عبءٌ أو استهتار. ولا يمكِن الاعتماد عليه في بناء الدول لأنّه، كما قلنا، قصير عمر وبيروقراطي وماجن.
هل معنى هذا أنّه يجب قتلُه؟ لا. لا أظنّ ذلك. بل أظنّها مبالغة ممّا وراء مدريد، مبالغة مغلّفة بالحِقد الطبقي. فالدواب التي تُقتَل في الحلّ والحُرم ليس منها الوزير، as far as I know. والذين يفتون بقتل الوزير يستدلّون بحجج واهية كـ"الصائل دمه هدَر" و"من جاء على هيئة غير هيئته يُقتَل". والأصَحّ أنّه يمكن الدردشة مع الوزير. وهو عموماً إنسان طيّب، خاصّة بعد إقالته. وقد سافرتُ مع بعضِهم ووجدتُ بهم عقلاً. صحيحٌ أنّهم لا يستصحِبون هذه العقول يومياً إلى الوزارات. ولكنّها موجودة. والناس يعلمون بوجودها. ويتصرّفون على ذلك الأساس. والمذهب الأحسن، لمن هم في وضعِك، مع الوزير هو المداراة. والمدارة شيء بين الحرب والاستسلام. وهي شعرة معاوية. فـ"دارِهم ما دُمتَ في دارِهم". والله يحفظك من كلّ تلك الألغام.