ولد بيروك.. روائي يقتفي أثر الحكاية في أزقة موريتانيا

ثلاثاء, 04/22/2025 - 17:17

 

يتجول الكاتب الروائي امبارك ولد بيروك في أزقة أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة نواكشوط، بحثًا عن أطفال الشوارع الذين لفظهم المجتمع.

بعين الكاتب، يتقصى الخيوط، ويدوّن ملاحظاته في كناش صغير؛ فهو يرفض أن يكون ذلك الروائي الذي يكتب من عزلة غرفة مظلمة مستمدًا مادته من الخيال المحض.

اختط ولد بيروك لنفسه منهجًا فريدًا في كتابة الرواية، يجمع بين التاريخ والدراسة والاستقصاء. ثلاثية طبّقها في كل أعماله، وربما تكمن في هذا الأسلوب سرّ نجاح كتبه، التي نالت عدة جوائز أدبية.

البيئة الصحراوية

قد لا يكون امبارك ولد بيروك معروفًا لدى معظم الموريتانيين، لكنه يحظى بشهرة واسعة في القارة الإفريقية، إذ يكتب بالفرنسية، اللغة الثانية في البلاد، والتي يُنظر إليها بريبة من قِبل شريحة واسعة من المجتمع. ورغم ذلك، لم تخرج رواياته عن البيئة الصحراوية التي ينتمي إليها.

وفي حديث لصحراء ميديا، قال ولد بيروك إن رواياته تتناول القضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في موريتانيا، ويؤمن بأن بلده غني بالمواضيع التي يمكن استلهامها روائيًا، بدءًا من الأساطير وحكايات الأجداد، وصولًا إلى البيئة الصحراوية وتناقضاتها.

وأضاف ولد بيروك، أن الحضارة الحسانية، أو ما يُعرف بثقافة “البيظان”، أثّرت فيه منذ طفولته، وكان لها دور كبير في تكوينه الأدبي، ما جعله يوليها اهتمامًا كبيرًا في كتاباته.

ويتابع: “رواياتي تنبع من جذور عميقة في حضارتنا الموريتانية العريقة، وتحمل في طياتها قصصًا تعكس الواقع الاجتماعيوالتاريخي والثقافي لهذا البلد“.

يسعى ولد بيروك إلى إبراز الجوانب المختلفة لحياة الموريتانيين، ورسم صورة متكاملة عن واقعهم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وحتى التاريخي، ويقول: “أسعى من خلال كتاباتي إلى إثراء الأدب الموريتاني“.

ورغم غنى الواقع السياسي، يرفض ولد بيروك توظيف السياسة في رواياته، مفضلًا تناول القضايا من منظور إنساني وأخلاقي، كما فعل في روايته “منبوذون”، التي تناولت مأساة حديثة بأسلوب أسطوري، يرويها سجين من خلف القضبان، يسرد فيها قصة حبه الصادقة بشفافية، وقد جاء من البادية إلى المدينة، وتزوج وأنجب، قبل أن تدفع الظروف القاسية زوجته لتركه، تاركة معه ابنه الأكبر.

الرواية، التي تميزت بأسلوب لغوي قوي ومشوّق، قدّمت لوحة أدبية تعكس تناقضات الحياة في موريتانيا، بين العولمة والتقاليد، وبين الظلم والإنسانية.

وأصدر ولد بيروك عدة روايات باللغة الفرنسية، من بينها: “نسيت السماء أن تمطر“، “سارة“، “أنا وحيد“، “طبل الدموع“،و“منبوذون“.

ويقول إن الثقافة الموريتانية كانت دائمًا حاضرة في أعماله: “أنا مسكون بروح هذه الثقافة وجمالها، إنها تسكن قلبيوتحفزني على الكتابة.”

تلميذ هوغو

ورغم نشأته في بيئة ذات ثقافة عربية، فإن ولد بيروك يكتب بلغة “موليير”، بعدما انبهر بأدبها حين اكتشف كتب فيكتور هوغو في سن الثالثة عشرة.

أثّرت فيه هذه اللغة بشدة، فغاص في أعماقها، ودرسها، حتى أصبح من أبرز الروائيين الموريتانيين باللغة الفرنسية.

وُلد ولد بيروك في مدينة أطار شمالي موريتانيا، وتمسك في كتاباته بالبيئة المحلية، رغم استخدامه لغة أجنبية.

ويقول: “الكاتب الموريتاني لا يمكن أن يكون معروفًا عالميًا إلا من خلال حضارته الفريدة؛ نمتلك تاريخًا وثقافة غنية لا تشبهأي حضارة أخرى“.

ويضيف الروائي: “لا أكتب إلا عن مجتمعنا، منه أستلهم قصصي، وأبدع فيها، إنها حكايات تنبض بروح وجمالية ثقافتنا“.

وحول عدم ترجمة رواياته إلى اللغة العربية، يوضح أن حقوق النشر تعود إلى دور نشر كبيرة تحتفظ ببيع حقوق الترجمة، وغالبًا لا ترى في موريتانيا سوقًا محتملة لترجمات رواياتها.

ومع ذلك، تُرجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية والإسبانية، ويجري العمل على ترجمتها إلى اللغة الأردية، في خطوة تهدف إلى توسيع قاعدة القرّاء وتعريف العالم أكثر بموريتانيا وإرثها الثقافي.

مقياس الإبداع

حين يبدأ ولد بيروك الكتابة، ينقطع عن العالم، ويسرح بأفكاره بعيدًا، فيما تكون القضايا المجتمعية حاضرة بقوة، قادرة على أن تُنسيه هموم الحياة اليومية.

ويقول: “الكتابة نافذتي إلى العالم؛ ليست حرفة فحسب، بل تجربة روحية تأخذني إلى عوالم أبتكرها وأحلم بها“.

ويعتبر أن “الكتابة غيرت مفاهيمي، وكشفت لي جوانب جديدة من الحياة، وجعلتني أفهم الواقع بطريقة أعمق“.

نال ولد بيروك العديد من الجوائز الأدبية، منها: جائزة الرواية المغاربية الفرنكوفونية، جائزة أحمدو كوروما في معرض جنيف للكتاب، جائزة الميتيس لطلاب المدارس الثانوية، وجائزة الرواية الإفريقية.

وتُوّج في فبراير من العام الماضي بجائزة LES AFRIQUES، التي تمنحها الجمعية الأدبية السويسرية “لاسين ليترير”، لكاتب إفريقي كل عام، وسيتسلّم الجائزة في يونيو المقبل بجنيف.

ويرى ولد بيروك أن لهذه الجائزة أهمية خاصة كونها دولية، رغم حصوله على جوائز عديدة، ويؤكد أنه كان يتوقع فوزه بها منذ بلوغ الرواية المرحلة النهائية.

ويقول: “شعرت بقوة أنني سأفوز بالجائزة، بدأت المنافسة مع 60 كاتبًا، ثم تقلص العدد إلى 20، ثم خمسة فقط في المرحلةالأخيرة؛ كنت واثقًا من الفوز بفضل تجربتي ومعرفتي الطويلة“.

ورغم ما حققه من جوائز أدبية مرموقة، إلا أن ولد بيروك يرى أن التتويج ليس المقياس الأوحد للإبداع، فبالنسبة له، قد تكون الجوائز مجرد وسيلة لقياس النجاح في نظر البعض، لكنها ليست المؤشر الحقيقي على قيمة العمل الأدبي.

يعتبر الروائي أن الجائزة ليست بالضرورة معيارًا للتفوق “هناك كتّاب لم يحصلوا على أي جوائز، لكنهم يملكون أعمالًا أدبيةرائعة ومميزة“.

“الجوائز قد تكون قياسًا للنجاح في بعض الأحيان، لكنها ليست العامل الوحيد في تقييم العمل الإبداعي”، يقول ولد بيروك، رافضًا أن يغريه بريق الجوائز، ومؤكدًا أن الإبداع يكمن في جوهر العمل، وفي رسالته الحقيقية التي يصل بها إلى القارئ بعيدًا عن صخب الاحتفالات والتكريمات.

المصدر:" صحراء ميديا