ليس حزناً فرديا… الكون حزين
أينما تكون فثمَّةَ نافذة مطلة على الحزن ..
أُطِلُّ من نافذتي على شيخ البحار يذود بصوته الموغل في الكينونة ….
تصطخب أمواجه المكفهرة فجراً…
أسمَع هديرَه وهو يمارس فحولة الحزن على اليابسة..
أتبعُ الولدَ إلى الدكان ليبتاع الخبز .. أُلاحظ وجه الكسرة فالخبز حزين…
أسمعُ حديث البائع يُرْبي دَيْنَ فطورِ الصباح ..
أُحسُّ معدتي تَفِرُّ …
لِمُشاحة الصباح ،على الشهية، وقْع حزين…
تتبّعتُ خطو العامل ،ولوقلّ ، إنه وئيد حزين…
حزينٌ هذا المدرِّس يغشَى الفصلَ في حالة “الفصل”..
يُكاتمُ حزنَه العميق…
أَرقب المدينة اللقيطة وهي تضع طلاءٍ نافراً من الكآبة على
مقابح وجهها..
بالغِشِّ تُخفي تجاعيد الشيخوخة المبكرة …
ورُبَّ كآبةٍ خير من نتوءات العيوب الخَلقية…
حتّى المتعيِّشون على عائد مَسْروقات قوت الناس … سمعتهم ـ وراء مظاهر البذخ الزائف والنعمة الكاذبة يتلاومون ـ
واللوم فعلٌ حزين..
النهارُ يفضح واقع الزمن المُتَرَهّل وأهلِه …
إنهم يتجرَّعون،بغُصَّة ،أُجاج الهَمِّ الحزين..
السَّحَرُ موعدُ الشعر، الشاردُ ..
اللحنُ/الأنين …
يُرسلُ أدْفأَ الحزن النبيل..
رغم الشتاء الحزين…
لا شيء سوي الحزن و الشوق و التوق و الذكريات…
أتحسَّسُ بقايا ملامح قصيدة وَجْدٍ و حنين …
إليْه.. وقد تلاشت تفاصيل مُحَيَّاهُ الربانيِّ الصقيل..
الهزيعُ الأخير من أماسي الله تكثيفٌ أحلامٍ مُغادرةٍ بين دعوات المُهَشَّمين على أرصفة مُدُن المواخير و صلوات المتبتلين بالأسحار …
نبض قلب أمٍّ وعقل أمة ودمع حبيبة ..
انكسار عاطفة أو ثورة أو مشروع…
لا شيء سوى الحزن ؛..
لكنه …
*جليل كدموع المَطر الكربلائي في شعر “مظفر النواب” ،
*شجيّ كمقامات العراق عند “سعدون شاكر”؛
*حزين كبكائيات “ابن القصري” ينعَى نفسَهُ وسالفَ أيام
“الميراد” الفائتْ…
الحــزنُ الجميل كالأمـل.. كلاهما إكسيرُ الثورة و كيمياء الحب …
لنا أن نرْقُب شراعَ الغد المَهْدَوِيَّ يتهادَى على صفحة المضارع ًرُخاء..
يُصَرِّفُهُ مَنْ لا يَنْسَى..