سيد أحمد الأمير (*)
زرت السنغال في الشهر الماضي في إطار بحث حول الأهمية السياسية للطرق الصوفية، وكان مما لفت انتباهي أن حضرات هذه الطرق الصوفية المتقاربة في أماكنها تعيش في انسجام تام واحترام متبادل وجو من التآلف وقبول الآخر. قرأت مثلا فيما قرأت أن الشيخ إبراهيم انياس زار بنفسه حضرة المريديين في طوبى واستقبله خليفتها يومئذ الشيخ فاضل امباكي بكل حفاوة وتبجيل، وكثيرا ما تبادلت الطريقة الكنتية بانجسان التزاور والهدايا مع الطريقة التجانية بتواون. ولعل من أسباب هذا التآلف والانسجام كثرة ما بين شيوخ هذه الطرق الصوفية من الأرحام والمصاهرات، فيكادون يكونون ذرية بعضها من بعض.
ومعلوم أنه توجد بالسنغال عدة طرق صوفية من بينها الطريقة التجانية ولها ثلاثة فروع: فرع تواوَن ومؤسسه الحاج مالك سي، وفرع مدينة كولخ ومؤسسه الحاج عبد الله انياس، وفرع دكار من تلامذة الحاج عمر الفوتي. أما القادرية ففرعها الفاضلي أسسه بالسنغال الشيخ سعد بوه بن الشيخ محمد فاضل. أما فرعها البكائي فأسسه الشيخ بونعامه الكنتي بقرية انجسان. والطريقة المريدية أسسها الشيخ احمدو بمبا ومن المشهور أنه أخذ الطريقة القادرية على الشيخ سيديا بابا، ويفضل الباحثون السنغاليون أن تكون المريدية طريقة محلية أي أنه لا يوجد في سلسة شيوخها من جاء من خارج السنغال، شأنها في شأن الطريقة اللايينية ومؤسسها الصياد لِمَامو لاهي من قبيلة الليبو، وأتباعها غالبا من قبيلة الليبو ويعيشون في منطقة يوف قرب دكار. فالمريدية واللايينية طريقتان محليتان حسب ما سمعت مرارا في السنغال، والقادرية والتجانية شيوخها من خارج السنغال (من المغرب وموريتانيا أساسا).
وهنالك ترابط نسبي وثيق ومصاهرات كثيرة بين بعض هذه الطرق خصوصا بين الطريقة الكنتية بانجسان وبين الطريقتين التجانية بتواون والمريدية بطوبى. فعلى سبيل المثال:
- عائشة سيدي كنته حفيدة محمد بونعامَه الكنتي زوجة الشيخ مصطفى بن الشيخ أحمدو بمبا أول خلفائه من أبنائه.
- وأختها مريم سيدي كنته تزوجها أبو بكر سي بن الحاج مالك سي ثاني خلفاء التجانية بتواون.
- وأختهما آمنة سيدي كنته تزوجها مختار مصطفى فال أسن أبناء الشيخ إبرا فال رفيق الشيخ أحمد بمبا وأبرز تلامذته.
- ومامْ حفيدة بنت خامس خلفاء الحضرة الكنتية في انجسان تزوجها أنتَا مصطفى امباكي أسن أبناء الشيخ أحمد بمبا.
وهنالك أيضا علاقة أخرى وهي أن عثمان سي (والد الحاج مالك سي) ابن عمة مومار أنتا سالي والد الشيخ أحمدو بمبا كما في الشجرة المرفقة.
والحاج عبد الله انياس (والد الشيخ إبراهيم انياس) ابن خالة عثمان سي (والد الحاج مالك سي).
ومن هذه المصاهرات النسبية بين شيوخ الطرق الصوفية والزعامات الدينية السنغالية أن الشيخ محمد فاضل بن مامينا مؤسس الفاضلية القادرية بموريتانيا تزوج إحدى بنات أليمان ببكر كانْ العالم الفوتاوي وزعيم جلْمَتْ قرب بودور "لكصيبه" كما في بعض المراجع السنغالية.
كل هذا يؤكد في نظري أن المصاهرات لعبت دورا هاما في التآلف والتعايش بينهم بدل التنافس والتباعد.
بالنسبة للشجرة فاللون الاخضر للأب واللون الوردي للأم.
(*)
كاتب وباحث موريتاني