أحمد مصطفى الغر
إن حقوق الملكية الفكرية تتعلق بمختلف إبداعات العقل البشري، سواء كانت تصاميم واختراعات، أو مؤلفات أدبية أو إبداعات فنية، وغيرها من نتاجات العقول المبدعة، لذا كان لا بد من قوانين تحفظ لأصحاب تلك الإبداعات حقوق استغلالها والتصرف فيها والتمتع بثمارها الاقتصادية، فيما يخص الأدب.. نجد أنه مع تقدم التكنولوجيا، أصحبنا نرى انتهاكات جثيمة ولا تنتهي بحق أصحاب الكتب، فشبكة الإنترنت تحظى بعدد مهول من الكتب المتاحة بالمجان لمن يريدها، دون أدنى مراعاة لحقوق المؤلف أو الناشر، وهو ما يعود بالسلب على الساحة الأدبية ومجال النشر، مجلة اليمامة تفتح هذا الملف، وتسلط مزيداً من الضوء عليه.
هاجس يؤرق المبدعين!
تعمل قوانين حماية الملكية الفكرية على إرساء توازن سليم بين مصالح المبتكرين والمؤلفين ومصالح الجمهور العام، عبر إتاحة بيئة تساعد على ازدهار الإبداع والابتكار، لذا ليس غريباً أن يحتفل العالم في يوم 26 أبريل من كل عام، باليوم العالمي للملكية الفكرية، لتعزيز المناقشات الدائرة حول دور الملكية الفكرية في تشجيع الإبداع، يقول الشاعر «محمد الخضري»: «لقد أصبح هاجس الملكية الفكرية يقلق المبدعين في كافة مجالات الإبداع الإنساني، نظراً لاتساع مساحة التواصل والالتقاء بين المجتمعات البشرية عبر وسائل الإتصالات الحديثة، وهو ما جعل العالم عبارة عن قرية كونية صغيرة، وهذا أتاح للآخرين الإطلاع على ثقافات وإبداعات العمل الإبداعي للإنسان في كافة أنحاء العالم وبشتى اللغات، وأتاح للآخرين من ضعاف النفوس السطو على إبداعات الآخرين دون حسيب أو رقيب، ولا وازع من أخلاق أدبية لمراعاة حقوق الآخرين الإبداعية»، ويضيف الخضري: «لقد مررت بتجارب كثيرة مشابهة، حيث وجدت بعض نصوصي منشورة في وسائل التواصل الاجتماعي وقد أخبرني بعضٌ ممن يعرفونني بأن أحد نصوصي منشور في أحد المواقع على الإنترنت، ومنسوب لغيري!»، ويتابع: «كل مبدع يسعده أن يرى عمله الإبداعي متداولاً بين الناس، وهذا يحفزه على الاستمرار في مواصلة إبداعاته، ولكن أن تجد عملك وقد وضع عليه اسم شخص آخر، فهذا هو قمة الألم، لأنه في نظري عملية سرقة لجهد الآخرين، والأدهى من كل ذلك أن هناك من يجترأون على سلب مؤلفات كاملة دون أدنى وازع من ضمير ونسبتها لأنفسهم ويشاركون بها في المعارض والمناسبات الثقافية، وإن كنت أعتبر بشكل شخصي أنه لا مانع من أن يستخدم نصوصي بعض القراء، على أن يعطوني أبسط حقوقي الأدبية بالإشارة إلى اسمي ككاتب لذلك النص».
من عصر النهضة إلى عصر الإنترنت!
لقد انطلقت الشرارة الأولى لمفهوم حقوق الملكية الفكرية في عصر النهضة وذلك في شمال إيطاليا، ففي سنة 1474م صدر قانون ينظم حماية الاختراعات في البندقية، وكان ينص على منح حق استئثاري للمخترع، أما نظام حق المؤلف فيرجع إلى تاريخ اختراع الحروف المطبعية والمنفصلة والآلة الطابعة عام 1440م، ولاحقاً تم التوقيع على معاهدتين تعتبران الأساس الدولي لها؛ هما اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية 1883، واتفاقية برن 1886 لحماية المصنفات الأدبية والفنية، الكاتب «محمد بن ربيع الغامدي» يقول: «حقوق الملكية الفكرية مسألة لا تقبل أخذاً أو رد، إذ تخضع لأنظمة عالمية متفق عليها كُرِّسَت لها اتفاقيات دولية حتى أخذت شكلها القانوني، ولعل المشكلة تكمن في وسائل الحماية، خاصةً مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي وتطور آلات التصوير والحفظ، فهذا يستوجب عصفاً ذهنياً تشارك فيه جهات الاختصاص لتعديل تلك القوانين وإعادة صياغتها، وهنا يجدر بنا أن نتذكر حقوق المؤلف في العصر الذهبي للمصنفات العربية؛ حيث كان الكتاب يبقى باسم صاحبه وهذا أدنى الحقوق، بينما يستمتع الورّاق بما يجنيه لقاء بيع تلك الكتب»، ويضيف الغامدي: «أرى أن حقوق الملكية سوف تتضامن حتى تبلغ ذلك المستوى، فتحفظ للمؤلف حقه الأدبي كشرط أساسي، ثم ينظر بعد ذلك في أشكال استغلال الآخرين لكتابه، ومن ثم اقتراح الحلول المنطقية المنصفة، ولا شك أن أي عصف ذهني جاد كفيل بسن أنظمة جديدة تساير الواقع وتنصف المؤلف والقارئ».
مزيدٌ من الحماية!
في المادة 27، الفقرة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 1948م، جاء ما يلي: «لكل فرد الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي أو الأدبي أوالفني»، ولم يختلف القانون السعودي عمَّا أُتفق حوله في حماية حقوق المؤلف الأدبية، كما أن تشكيل الهيئة السعودية للملكية الفكرية كان له دور مهم في تنظيم وتوحيد الجهود، بعد أن كانت حقوق الملكية الفكرية في المملكة موزعة بين أكثر من جهة، لكن الأمر يتطلب أيضاً مزيداً من الوعي ونشر برامج توعية حول معنى ومفهوم الملكية الفكرية العامة، فمن المؤسف أنه في الآونة الأخيرة قد استفحلت ظاهرة السرقات الأدبية والعلمية، مما أساء للحياة الثقافية بشكل ملحوظ، وأثر على مصداقية بعض المؤسسات الثقافية ودور النشر، تقول «د. فاطمة البودي»، الكاتبة وصاحبة إحدى دور النشر، أنه « للأسف مع انتشار الإنترنت، يقوم بعض عديمي الضمير بنسخ الكتب أو تصويرها، وتحميلها على الشبكة العنكبوتية، وهو ما يضيع حقوق المؤلف وكذلك حقوق الناشر، ويتسبب في أضرار معنوية وأدبية كبيرة عليهما»، وتضيف: «القرصنة تهدد صناعة النشر بشكلٍ عام، لأنها تتسبب في عزوف الناشرين عن النشر، باعتبار أن الأرباح لن تكون مجزية أو مشجعة، وهو ما قد ينتج عنه تحجيم لحركة الوعي والثقافة العامة، لذا فنحن في أمسّ الحاجة إلى حملات تثقيفية واسعة لتبني احترام إبداعات العقل وتقديرها، ونشر حقوق الملكيَّة الفكريَّة والتعريف بها وضرورة المحافظة عليها».
المصدر: اليمامة