(إيجاز صحفي)
الأدب هو الجسر الأمثل للتواصل بين الشعوب والثقافات"، هذا ما خلص إليه الكاتب والروائي الموريتاني الولي ولد سيدي هيبة في محاضرته مساء اليوم (الخميس) بقاعة النشاطات في بيت الشعر - نواكشوط، وذلك بحضور نخبة أدبية وثقافية تقدمها الأستاذ الدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر وأكاديميون موريتانيون بارزون.
ولد سيدي هيبة أوضح أن الأدب وسيلة "إنسانية، ومعرفية، وسلمية تنويرية" مكنت النخب البشرية عبر التاريخ من زرع القيم الفاضلة، وتنشئة العقول وتغذيتها بالجمال الشاعري، وبالفكر المضيء نحو الرقي والتطور.
وقال المحاضر "كان وما زال التبادل الثقافي بين الدول عبر الأدب منذ العصر اليوناني، والنهضة العربية، والأوروبية حتى نهايات القرن العشرين تواصلا معرفيا لتقريب المسافات بين الاتجاهات والأفكار الأدبية؛ متسلحًا بكل ما تحمله الكلمة من دلالات، فينتقل الفكر بين الدول المتقدمة في المجال الأدبي، وبين الدول المستقبلة لمثل هذه المنتجات دون أن يلغي كل منهما الذات القومية، أو خصوصيات الآخر، وذلك بهدف الوصول إلى حالة من الفهم المشترك وتبادل الخبرات".
وأضاف "في هذا المجال؛ فإن الأدب المقارن والنقد الأدبي للمجتمعات يقدم صورًا وأنماطا مختلفة تساعد في مزج المعارف الإنسانية في بوتقة واحدة، حيث يوضح الأدب المقارن خط سير الآداب العالمية، وما تحتويه من جديد، ومن ثم تحدث حالة من التأثير والتأثر بين مختلف الثقافات والحضارات"، مؤكدا أنه "بالأدب تتفاعل الأمم و ترتقي".
وقال "كما تضطلع الموسيقى والسّينما والرّسم بأدوار كبرى في الحوار والتّفاعل والتواصل بين الحضارات والشّعوب رغم اختلاف ألسنتها ينهض الكتاب الأدبي بهذا الدور وبصورة أشمل".
ونوه إلى ضرورة "مطالعة الآداب الغربية" مشيرا إلى ما حققه الأوربيون قديما من توجّههم نحو ترجمة أهم المؤلفات العربية القديمة والحديثة لمعرفة خصائصنا الحضارية والفكرية والاستفادة منها، ما يدل على أهمية الآداب في التواصل".
وزاد "لقد رصدت أوروبا أموالا طائلة وأوقاتا ثمينة لغرض نقل المعرفة العربية إلى أوروبا" في أوج تطور العلوم والنهضة العلمية على يد العرب والمسلمين في الفترة المعروفة.
وشدد ولد سيدي هيبة على أن "الأدب رسالة الإنسان إلى أخيه الإنسان كما عرّفه الأديب التونسي محمود المسعدي، فقال إنه لغة تتجاوز كل الحدود الممكنة بين البلدان والأمصار، فكما اطّلع الغرب على أدياننا وحضاراتنا لا بدّ أن نطّلع على أديانهم وتاريخهم وحضاراتهم حتى لا نستلب حضاريا، وبالتالي نتفادى أن تصدق فينا مقولة ابن خلدون بأن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب ".
ولد سيدي هيبة، صاحب ديوان "أحلام وأوهام "، وروايات وقصص "بوح النخيل ورحيق الجذور" و"شظايا المرايا" و"أم الأولاد"، و"نبع الظباء"، وأيضا مؤلف كتاب "الحصاد" و"La Moisson" و"خواطر من وحي الواقع"، وصاحب ثلاثمائة مقال منشور بالعربية والفرنسية، ذكر الحضور "بأن المفكّرين والأدباء والفنانين في البلاد العربية دعوا إلى الاطّلاع على الآداب الغربية حتّى لا تتعمّق الهوة بين العرب والأمم الأخرى".
وقال "لا شكّ في بعد نظر هذه الدّعوة في قيمة الأدب وفاعليته للتواصل بين الأمم، لأن هؤلاء يدركون الدور الكبير الذي تنهض به الآداب لفهم سبل النهضة الأوربية والأخذ منها مثلما أعطت ذات يوم وتقبلت".
وخلص ولد سيدي هيبة إلى "أن الأدب يفتح لعموم القراء مساحات واسعة من التعرف على تجارب الآخرين وتمثّلها. كما تشكل قراءة آداب شعوب أخرى جسراً من التلاقي والتفاهم بهذا المعنى. والأدب بالتعريف هو ضد التسطيح والتبسيط وكل أشكال الكليشيهات والصور النمطية الجاهزة".
وكان الأستاذ الدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر - نواكشوط، قد قدم للموضوع تقديما ضافيا، مشيرا إلى أهمية التواصل بين الشعوب والثقافات عبر التاريخ، وعدد نماذج من التفاعل الأدبي والتأثير والتأثر بين الشعوب من خلال الآداب والفنون المختلفة، مفرقا بين الأدب بمعناه العام الذي يشمل الثقافة، والأدب بمعناه الخاص الذي يشمل الشعر والنثر، وذكر في هذا الصدد أن هذا الموضوع قديم جديد، ويقارب أسئلة الثقافة والأدب معا.
وعرف بالمحاضر، لافتا إلى أنه صاحب مواهب متعددة، فهو كاتب صحفي، ومهندس معلوماتي، وروائي، وشاعر وفنان تشكيلي، ومترجم يجيد خمس لغات، وحاصل على جائزة القصة في مسابقة الإبداع التي نظمها اتحاد الأدباء والموريتانيين عام 2010.
هذا، وعلى هامش المحاضرة؛ تدخل عدد هام من كبار المبدعين في مقدمتهم الشاعر الكبير أحمدُّ عبد القادر، والدكتور أبوه بلبلاه، وأثاروا أطاريح حول التثاقف الإنساني وتعايش الآداب وأهمية الاعتناء باللغة العربية والاستفادة من الثقافات الأخرى؛ تم التعقيب عليها من طرف المحاضر الولي سيدي هيبة، والأستاذ الدكتور عبد الله السيد.
وأعلن بيت الشعر - نواكشوط عن تنظيم أمسية أدبية مساء غد (الجمعة) حول ديوان "مدى حرفين" للشاعرة باتة بنت البراء.