اللغة العربية في إفريقيا.. جذور راسخة

أربعاء, 05/09/2018 - 02:54

سيدي أحمد ولد الأمير

باحث

لم يستطع الاستعماران: الإنجليزي والفرنسي رغم كون بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، ورغم كون فرنسا ذات قوة ضاربة وجبروت استعماري كاسح، أن يمسا من مكانة اللغة العربية في إفريقيا، ويتجلى ذلك في الطريقة التي يتم بها تدوين سجلات المحاكم ومحاضر القضاة وأخذ شهادات المتخاصمين أمام المحاكم خلال فترة الاستعمار. ولعل الشاهد على ذلك ما يوجد بالأرشيفين الغامبي والسنغالي من وثائق مدونة باللغة العربية تعود إلى عهد الاستعمار. لقد حرص المسؤولون الإداريون الإنجليز والفرنسيون هنا وهناك على أن تكون أحكام ووقائع المحاكم المحلية باللغة العربية التي هي لغة الدين والقضاء والتعليم بإفريقيا الغربية. فكان لا بد للمسؤولين الاستعماريين من تعيين كتاب ضبط ومحلفين أفارقة يكتبون العربية ويتحدثونها ويتم تعيينهم كموظفين داخل مؤسسات القضاء في بانجول ودكار وسان لويس. ظل الاستعماران البريطاني والفرنسي حريصيْن على أن يكون كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية في إفريقيا الغربية معربا، وأصر المسؤولون الاستعماريون على تسجيل جميع شهادات المحاكم بالعربية، لا حبا في هذه اللغة ولا تكريسا لهيمنتها، ولكن حرصا منهم على التقرب من الشعوب ومخاطبتهم بما يألفون والتوجه إليهم بما يحبون. ومنذ تأسيس هذه المحاكم الأهلية في المستعمرات، كانت اللغة العربية حاضرة في إفريقيا الغربية حيث يتم توثيق جميع إجراءات المحاكم باللغة العربية أولاً ثم تترجم بعد ذلك إلى الإنجليزية أو الفرنسية. في غامبيا مثلا ومن سنة 1905 إلى غاية الحرب العالمية الثانية ظلت جميع شهادات المحاكم تسجل وتدوَّن وبدقة بالغة باللغة العربية، ومن ثم تتم ترجمتها إلى الإنجليزية. في بعض الأحيان تكتب الشهادة بلهجة المانديغ أو الولوف لكن بالحرف العربي، ويسمون ما يكتب في تلك الوثائق "العجمي الماندنغي" أو "العجمي الولفي"، وقد تم تسجيل جميع قضايا الأحوال الشخصية مخطوطة بالعربية قبل ترجمتها إلى لغة المستعمر.

وعلى سبيل المثال فهذه شهادة تم تسجيلها في 6 يونيو 1927، حيث أدلي التاجر محمد بجوج أمام قاضي بانجول بدعوى ضد زوجته عائشة فاي متهما إياها بالنشوز، ويلاحظ في الوثيقة ضعفا في لغة كاتب الدعوى حيث إنه لم يكن متمكنا تماما من المعجم العربي الفصيح ومن الصياغات الصرفية والنحوية الدقيقة، لكن مع ذلك تبقى الوثيقة شاهدة على أن للعربية تاريخا راسخا في القارة الإفريقية.

النص: "دعوى محمد بجوج على عائشة فاي في 2 يونيو 1927:

محمد بوجوج على عائشة فاي الساكن دبس نمرة: C370، التجار: حرفة. وقال: إني دعوتها لأنها زوجتي، وذات الأحد (تـ)خاصمنا، وأبت أن تكون في نكاحي. قلت ذلك أوليائي وذهبوا إلى أوليائها، وأمروها أن تكون في نكاحي وأبت. وجئت هنا وأمرتي إلى الإمام، فذهبت إلى الإمام وأمرها أن تكون في نكاحي وأبت؛ ولذلك دعوتها هنا لتسألها أنت القاضي: فلِمَ قالت وامتنعت أن تكون في نكاحي.

سبب خصومتنا: اشتريت لها (الـ)عام الماضي ثوبين، (و)خرجت ذات مغرب فرأيت الثوب الواحد في فراش بعض بعضهم، فرجعت إليها، وقلت لها: رأيت ثوبا في تلك الفراش، هل ثوبك أم لا؟ قالت لي: أي شيء تفعل ثوبي في تلك الفراش! قلت لها: لا يتم الخصومة أسألك.

فمضيت وصليت المغرب فجئت فوجدت ثوب منزوع عن الفراش. وقلت لها: ألم تقل إن ثوب ليس ثوبك؟ قالت لي: فسألهم! قلت لها: لا أسألهم، ليس لي سبيل معهم.

فجلست وأتت العشاء فتعشيت، ووقت العشاء صليت، وفي الصبح صليت، وقامت ولم تسلم علي في الصبح ولم أرها. ثم رأيت عبدو عَانْ، وقلت أما جدتك هذا شِلِنْ لنفقة اليوم لأني ما رأيتها. وقالت لجدتها: أنا لا أطبخ الغذاء. فدعوتها وأتت وقالت لها: فلم لم تطبخ الغداء؟ قالت: لكوني لم أعطها الفضة. أعطها عبد عان، فدعوتها وجاءت وقلت لها: خذي حصيري وانفضيها في الخارج. وقالت: كنت أفعل ذلك من قبل، هل وقتئذ بأمرك. قلت لها: لا بأس فيه. قالت لي: أنت افعل مرادك من أمس إلى الآن وقت رؤيتك ثوبه إن نكاحك الحرامة (حرام). فشتمتْ ووثبتْ إليَّ ومزقت شعار (شعري) فدفعتها وصرعتْ فكدت أن أضربها. فجاء الناس وتركتها لم أضربها. ثم وقت البيات ما رأيتها فسألت فقيل لي: باتت في دار خالها، ثم امتنعت لأبدا أن تطبخ لي وأبت أن تكون في نكاحي. هذ(ه) حجتي. انتهي.