المؤمنون بتفوق العرق الأبيض وجدوا في فوز ترامب فرصة لممارسة أنشطتهم على الملأ (رويترز)
منذ انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نهاية 2016 بات استخدام مصطلح "القبلية" متفشيا في المنابر الإعلامية.
ولم يكن الصحفيون وحدهم الذين افترضوا أن النزعة القبلية، والعقلية التي تنطوي عليها، قد تساعد في تفسير المشاعر المتزايدة التي أسهمت في فوز ترامب.
وبعد فترة وجيزة من الانتخابات سأل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مجموعة من مساعديه: ماذا لو كنا خاطئين؟ لعلنا ذهبنا بعيدًا، لعل الناس يريدون فقط العودة إلى عشيرتهم"؟! جاء في ذلك في مذكرات لمساعده "بن رودس".
أما مؤلفة كتاب "القبائل السياسية: غريزة الجماعة ومصير الأمم" إيمي تشوا فتصر على أن هذا السلوك ليس جديدًا في تاريخ أميركا، وليس من الصعب التغلب عليه كذلك.
وتعني النزعة القبلية بشكل أساسي الحس الغريزي لدى الإنسان بأنه ينتمي إلى جماعة من البشر تشبهه.
وقالت إيمي تشوا خلال لقاء أعدته مجلة "أتلانتك" (The Atlantic) الخميس الماضي إن قسمًا كبيرا من الشعب لم يشعر بالنزعة القبلية لفترة طويلة في التاريخ الأميركي، وذلك لأن الدولة حكمت اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا من قبل مجموعة واحدة مهيمنة وهي البيض.
وتضيف أن العديد من المجموعات التي لم تكن ضمن قبيلة البيض كانت صغيرة وخارج دوائر القوة. لكن التغيرات الديمغرافية اليوم -إذ يتوقع أن يصبح البيض أقلية في العقدين القادمين- تسبب مخاوف جديدة وانقسامات حادة، خاصة بين الأميركيين البيض.
وتقول تشوا "علينا الاعتراف بأن التغير الديمغرافي يؤدي إلى اضطرابات كبيرة، وعلينا أن نحاول البدء في إجراء هذه المحادثة الحتمية".
كما تلوم النخب "الساحلية" على عدم قدرتها على فهم ما الذي أدى إلى رفع ترامب "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا"، ولامتهم أيضًا على استخدام العبارات الدالة على سياسات الهوية كأسلحة في معركتهم.
وترى أن التقريع واللوم القادمين من اليسار يزيدان تجذر الأفكار اليمينية المتعصبة، و"هنا تكمن الأخطار الحقيقية".
تقول إيمي تشوا أن قيم أميركا -التي ترتكز بشكل أكبر على مجموعة مشتركة من المثل، وبشكل أقل على هوية عرقية أو ثقافية مشتركة- تجعل التحدي الذي تواجهه البلاد صارخًا وفريدًا من نوعه.
وتُصر في الوقت ذاته على أن إعادة إنعاش "الفكرة الأميركية" الجماعية هو الدواء الأعظم لانقسامات البلد العرقية والثقافية والاقتصادية.
ترامب دأب على إطلاق تصريحات عنصرية ضد الأفارقة واللاجئين والمسلمين (الأوروبية)
مرحلة اختبار
وتضيف "ليست الوطنية مجرد غناء النشيد الوطني بشغف، إذا أردنا حقًا بلدًا موحدًا، وأن نمنح المعنى لفكرة جعل أميركا عظيمة، فيجب أن تصبح أميركا بلدًا تبدو فيها الحقوق الدستورية حقيقية وشرعية لكل الجماعات".
بالطبع، بعض الأقليات حُرمت من هذه الحقوق على مرّ التاريخ الأميركي، والرجال نفسهم الذين قالوا إن "كل البشر خلقوا متساويين" استعبدوا الرجال والنساء والأطفال، بحسب إيمي تشوا.
وترى أن أميركا تمر بلحظة غير مسبوقة تفقد فيها المجموعة المهيمنة سيطرتها على القوى الاقتصادية والاجتماعية بشكل واضح، وتعتبر هذه اللحظة لحظة اختبار حقيقي لمدى قدرة المثل والقيم على تقييد أفعال الناس.
وتخبرنا تشوا بأن هذا ما يجعل الأميركيين يحتاجون إلى إعادة التفاوض حول ماهية الحلم الأميركي. هذه ليست مهمة بسيطة، ولكن "جيلا بعد جيل، تعالت نزعات الانحياز للسكان المحليين والخوف من الأجانب، واستطاع كل جيل أن يتجاوز هذه النزعات".
في رأي إيمي تشوا "لم نخسر كل شيء بعد"، وترى أن البعد عن الدوافع القبلية يبدأ من احتضان فكرة أن أميركا "جماعة عليا". وتسمح هذه الفكرة للجماعات الفرعية مثل اليابانيين الأميركيين بأن يحافظوا على هوياتهم المختلفة.
بالطبع هناك الكثير من الأسباب للنقد والسخرية، وتثبت المسيرة التاريخية الأميركية فشلها في كل مرة عندما يتعلق الأمر بالتمسك بالمثل والقيم التي نصت عليها الوثائق التأسيسية.
ومع ذلك تتمسك تشوا بتفاؤلها، وتقول "مع مشاكلنا وتاريخنا المعيب، نمتلك أفضل الأدوات للتغلب على القبلية"، وأضافت "تتجاوز قيمنا الواقع دائمًا، هذا هو وعد أميركا".
المصدر : الصحافة الأميركية