مقتطف من مدخل الكتاب
أضحت العربيّة لغة الشعور بالحرمان والعقل المحبط، لغة خرِّيجي المدارس العموميّة من ذوي التّكوين الهشّ وممّن لا أمل لهم غالبا في وظائف التّميّز المرغوب فيها اجتماعيّا، بل لا أمل لهم في أغلب الأحيان في أيّ وظيفة. لا يزداد فقط، تبعا لذلك، الزّهدُ في التّعليم وترتفع نسب الأمّيّة الأبجديّة بل تتكرَّسُ أكثرَ صورةُ العربيّة كمحض ظاهرة صوتيّة ممجوجة: لغة البطالة والدّعاية الإعلاميّة والعنتريّات الرّسميّة والحركات المتطرفّة. إنّها في هذا الأفق لغة العنف الرّسميّ والعنف المضادّ ولغة المفردات القديمة والواقع المحبَط الّذي يُنْجِب الرّغبة الجامِحة في الاغتراب عنه هروبا إلى الماضي أو انتحارا أو هما معا.
ولا يتراجع فقط المستوى العامّ للتّعليم بل يصبح التّعليم ذاته بلا هدف محدّد غير الاجترار الذاتي.
يطرح ذلك تاريخيّا السّؤال التّالي: لقد بدا وكأنّ ما سُمّي في القرن التّاسع عشر وأوائل القرن العشرين بالنّهضة قد فتح آفاقا واسعة نسبيّا للعربيّة بجعلها لغة معاصرة، فهل تكون هذه الآفاق قد عرفت شيئا فشيئا حالة انسداد كلّيّ بسبب ظاهرة الدّول القُطريّة والسّياق الدّوليّ الذي تَصدرُ عنه؟
ويطرح تاريخياً أيضا السؤال المقابل: هل انتقالُ العربية مع "النهضة" من وضعيتها الأممية في العالم الإسلامي، رغم الانتكاسات الجزئية التي عَرفتْ خلال ما سمّتْه "النهضة" بعصور الانحطاط، إلى وضعية لغة وطنية لأجزاء من العالم الإسلامي، سميتْ تأسيساً على ذلك بالعالم العربي، مثّلَ نجاحاً وتحديثا لها أم إعلانا عن بداية "النهاية؟