في فترة ترنسيت حاسمةٍ من حياتي في السادسة عشر من عمري حيث أوَدِّع مرحلة لأستقبلَ أخرى، غادرت جدَّتي الحنونة في (بماكو) رغم جنات حنانها التي أدخل بدون حسابٍ وإن كثرتْ سيِّئاتي.
حملتُ عصا الترحال موَلِّيًا وجهي شطر (موريتانيا) لعلَّ نخيلَها تعطيني قليلا من تمرها،و كثبانَها الرمليةَ تلقِّنني دروس الترنُّم و الحُداء.عساني أستأنف حياةً أخرى غيرَ التي ألفتُها في أرض أجدادي جمهورية مالي التي تعتبر همزة وصل رفيعةَ المستوى بين العالَمين العربي والإفريقي بفضلِ موقعها الجغرافي الممتاز، واستقبالِها الحار للقوافلِ التجارية العربية التي كانت في يوم من الأيام تجوبُ صحراء (مالي) جيئة وذهابًا حاملةً معها قيما جديدةً لا تستقرّ الحياة البشرية بدونها إنها الإسلام.
موريتانيا البلدُ العربي الضارب في أعماق التأريخ عشتُ فيه ثماني سنواتٍ أشرب الزريق وآكل (المار و الحوتَ)، تناغمًا مع نمط الحياة السائد لدى الأغلبية القاهرة من السكان، وصلتُه صغيرَ السنِّ لكنّ حسنَ الظنّ يرفعني- وأنا خفيف الوزن أصلا- همومُ التلقِّي والارتواء. كنتُ فتى لطيفا خجولا لي عينانِ بريئتانِ تسخُوانِ بالدموعِ كلما تذكرتُ جدَّتي التي دلَّلَتْني إلى حدِّ المبالغة.
أتذكَّرُ الماضي البريءَ طفولتي
زمنَ الدلالِ و أطيبَ الأوقاتِ
تحكي لنا القصصَ الجميلةَ جدَّتي
والحبُّ أصدَقُهُ من الجدَّاتِ
لم أنسَ كسكسَ جدَّتي وحليبَها
والفولَ والحلوى معَ الكعكاةِ
لم أنسَ ذاكَ الخبزَ فيهِ زبدةٌ
و الكأسَ تحْمِلها بكلِّ أناةِ
وفي موريتانيا عرفتُ أنَّ للسُّهادِ طعمًا خاصًا وأنّ لليلِ سرًّا لا ينكشف إلا لأولئِكَ الذين تتجافى جنوبُهم عن المضاجع يراجعون دروسَهم خوفًا من زجرِ الأستاذ وطمعًا في التفوّق.
في موريتانيا ولحسنِ الحظِّ قابلتُ ورأيتُ بأمِّ عيني رجالاً صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه فمنهم من قضى نحبَه ومنهمْ من ينتظرْ كعلامة شنيقط المرحوم بُدَّاه ولد البصيري ورجلِ اللغة الأوحدِ المرحوم محمد سالم ولد عدود ومفتي الديار الموريتانية الحالي الشيخ أحمدو المرابط الذي درِّسني القواعدَ الفقهية، ولْيُقسْ ما لم يُقَلْ وللحديث بقيةٌ
عبد الله محمد درامي
أديبٌ و شاعر من جمهورية مالي