في منطقة العرية التابعة لمقاطعة واد الناقة وفي عام 1903 ازدادت أسرة علي بن ابنو بن سيبويه المالكي التندغي بطفل وطفلة توأمان ليصبح الأخوة ستة به وبتوأمه، سميت البنت أسماء ولم يتردد الأبوان في تسمية الطفل المختار باسم جده المتوفى قبل أيام وهو المختار بن الأمين، وزيدت السالم تفاؤلا بطول بقائه، درس المختار السالم القرآن الكريم على القارئ أحمد سالم بن عبد الرحمن التاكاطي الذي أجازه في القرآن وعلومه , ثم درس صغار المتون في محيطه الأقرب، ثم واصل التحصيل على علماء من قومه أمثال محمد عبد الرحمن بن إشدو والمختار السالم بن محمذن ولد العباس وآخرين , ثم واصل رحلته في طلب العلم حيث درس على علماء أجلاء من غير قومه منهم على سبيل المثال يحظيه ولد عبد الودود وحبيب بن الزايد، فدرس العقيدة الأشعرية ثم متون الفقه المالكي والنحو البصري والشعر الجاهلي و شعر غيلان وامثاله من شعراء صدر الإسلام ، ثم أصول الفقه والمنطق والحساب، وهو ما كان من ثماره ثراؤه المعرفي ورصيده التأليفي، إضافة إلى التدريس والشعر فقد خلف المختار السالم مكتبة هائلة من مؤلفاته، حيث يحتل المرتبة الثانية بين علماء البلاد في مجال التأليف , حيث يتربع على الهرم بلا منازع الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل 118 مؤلفا، ثم المختار السالم بأكثر من 96 مؤلفا، ثم محمد يحي بن سليمه اليونسي 71 مؤلفا، ثم الشيخ محمد المامي بن البخاري بـ 47 مؤلفا، عرف بالغطمطم واشتهر به بين أبناء البلاد وفي الآفاق التي وصلها ذكره، ومعنى الغطمطم البحر العظيم، والرجل الواسع الأخلاق وكان جديرا بالمعنيين سواء بسواء،وكان وقورا، حاضر البديهة، سريع النكتة، حاد الفهم، حليما، بدأ حوك الشعر طفلا يقول عن تجربته :
تعودت حوك الشعر عند تكلمي :: وعلمــنيه الله دون التعلم
وقد لاحت بشائر الأدب مبكرا عليه من خلال ومضات شعبية باهرة كان من ثمارها أن أهداه امحمد ولد هدار ثوبه عند مفتاح الخير بحضرة الشيخ محمد عبد الحي وجلسائه إعجابا بشعره الشعبي، أما الشعر الفصيح فإن ينابيعه تفجرت في طفولته واستمرت كذلك حتى وفاته، وكان كثيرا ما يرفع يده عن الطعام في حال استعجال ليدون شعرا انتظم عقده فجأة دون بلا ميعاد، ولقد دَوَّنَ كلَّ إنتاجه الأدبي - بقسميه - وبَوَّبَه ورتبه بنفسه؛ وهو أمر نادرا ما يتولاه الشعراء، إذا استثنينا أبا العلاء المعري. ومعظم إنتاجه مكتوب بخط دقيق على ورق شفاف، ومع ذلك جاء كلا القسمين في حجم كبير يساوي حجم المنجد في اللغة والأعلام، وقد تناول الغطمطم في شعره جميع الأغراض كالمدح، والرثاء، والحكمة، والفخر، والغزل، والنسيب، ولكن الهجاء وحده معدوم وفي ذلك يقول :
ولا أنطق العوراء ما اسطعت إنني :: أهاب أخا العليا؛ نعم وأُهاب
وأرعى حقوق الناس كلا بقدرهم :: وأصمت عمن كان منه عــتاب
وفي مجال التدريس يمتاز المختار السالم بالقدرة على الإفهام، فهو يشرح الدرس كما لو كان يترجمه من لغة لأخرى بعبارة مباشرة واضحة. ومن بين طلابه على سبيل المثال لا الحصر: يَوْگَيْنْ بن عبد الرحمن، وبَنبَه بن حب الله وأحمدُّ الواثق بن جدُّ، ومحمدٍ السالم بن أحمدُّ فال، والطفيل بن الواثق، ومحمدْ ابن الشيخ محمد بابَ خيّْ، ومحمدُّ سالم ابن جدُّ ومحمد عبد الرحمن ابن إيشدُّ، وغيرهم، وكان الغطمطم شاعرا فحلا متفوقا وبذلك شهد له معاصروه وممن شهد له بذلك شعرا : العلماء گراي بن محمد بابَ بن امحمد بن أحمد يوره و محمدُّ النانه بن المعلَّى؛ و سيدي محمد (الصغير) بن حبت الغلاوي، و محمد محمود بن الواثق، وعطاء الله بن نور الدين، والمختار ابن ابلول، و محمد عبد الله بن الواثق، والشيخ أحمدُّ بن الشيخ محمدُّ بن حبيب الرحمن، و محمد بن محمذٍ فال بن حبيب الرحمن، ومحمذ بن سيد الأمين اليدالي، ومحمد الأمين بن عبد الودود اليعقوبي، ومن شعره قوله يمدح القاضي محمذٍ بن محمد فال"اميي":
محمذٍ القاضي الذي بعلومه :: غواة الورى عن بيضة الدين ذبـها
ووافق بين المسلمين بعقله :: وصاحَبَ نون العالمين وضبها
وما خطرت ريح من اَرض بداهم :: وهبت له إلا تَلَقَّى مَهَبَّها
ومن بحر علم الشرع في السر إن جرت :: سيول وجدت الفكر منه مصبها
وإن ذُكِرتْ من نحو ديمان خصلة :: ونقب عنها الغير ألفاه ربـها
وإن خطرت بين العباد نــوازل :: تـهول أراه الله في الحين طبـها
وله في آل الشيخ سيديا:
قوم هم القوم إما أزمة أزمــت :: تدمي جلود الورى طرا بإحـراق
وفي مروري بـهم أُنسي ومغتَبَطي :: لا مَرِّ طيف على الأهوال طَراق
فكم أنالوا غنى الدارين ذا وطر :: ترمي به البيدَ بيدٌ فوق معناق
وكم أغاثوا لهيفا يشتكي لهمُ :: في العسر حالة إعسار وإملاق
يرجو النجاة بطه المصطفى وبـهم :: واللطف عند التفاف الساق بالساق
يا ليتني زرت آل الشيخ كل ضحى :: على جناح لبازي الجو خفاق
إني على أرض آل الشيخ شِمْتُ سَنَا :: بَرْقٍ بإصلاح ما أرجوه براق
صلى وسلم ما أبقى مفاخرهم :: تنمو على المصطفى هادي الورى الباقي
والآل والصحب من حازوا به شرفا :: ما حركت ذات طوق شوق مشتاق
وله في الفخر:
الشعر بالطبع في كفِّي أَزِمَّتُه :: تجيب بالطوع أمر الفكر أمتهُ
ولو غدا في صلاة وهْو مجتمع :: يوما لصلت إلى فكري أئمته
فكري أخوه وهُو أم له وأب :: خال وعم إذا ينمى وعمتهُ
والصدر بحر به طامٍ له لُجَجٌ :: إن زدتُ في حوكه تزداد جمته
للفكر فتْحَتُهُ في السر كم فُتِحَتْ :: والكسر فتحته تُولَى وضمته
تنزاح غُمّة فكري حين أنسجه :: طورا وفي تركه تزداد غُمته
وله في وعكة صحية قادته إلى المستشفى سنة 1979 :
الحمد لله مَن مِن ذلك الحرجِ :: قد ردني؛ والمكان الضيق الحرِج
والمضجع النَّكِدِ الْمَبْنِي على ثقل :: من ارتجاج ومن ميل ومن عوج
والحمل فوق سرير الميْت منفردا :: واليأس في الكل من رفق ومن فرج
ليست حوالَيَّ إخوان تحادثني :: فيه؛ ولست إلى الإخوان فيه أجي
الله يعلم ما لاقيت من نَكَدٍ :: خافٍ ومن ظُلم الأحزان واللُّجَجِ
كأنني لم أزُرْ شُمًّا غَطَارفَةً :: ترنو إليها ذوات الدل والغنج
أعوام إقبالها كاليوم في قِـصَرٍ :: ويوم إعراضها في الطول كالحِجَج
ولم أسامر بمجـتث ولا رمـل :: ولا مديد ذوي شعر ولا هزج
وله :
إلى رَيَّا دعا المـحـزونَ رَيَّا :: تَنَسَّمَ مَـوْهِنًا من نـحو رَيَّا
أتى من بعد ما قد بات يسري :: إليه فخاله مسكا ذكيا
أتته به الجنوب فغادرته :: شجيا بعد ما أمسى خليا
يُخالُ من الهوى والهمِّ مَيْتًا :: ومن زفراته والدمعِ حَيَّا
وهَيَّجَهُ الحَمامُ الوُرْقُ لَمَّا :: بكى بالدار واستبكى وحيَّا
ورجَّعَ في جآجِئِه رنينا :: خفيا يُبْرِز الشجو الخفيا
ومَيَّةُ منه لا تزداد إلا :: بِعادًا ثم مطلا ثم لَيَّا
لئن لم تُدْنِ مَيًّا ناعجاتٌ :: رعت عامين في جنب اللُّوَيَّا
أسالَ دِمَا مَنَاسِـمِها سُـراها :: ولم يتـرك لها التهـجيرُ نَيَّا
ففي صدري إلى مي تَــبارى :: نـجائب لا يـقال لهـن: هَيَّا
نجائب من مُجادِ الشعر حَوْكِي :: لها –إن رمته- هَيْنٌ عَلَــيَّا
في منتصف سبتمبر 1982 توفي المختار السالم بن علي إثر مرض خفيف عن 81 سنة قمرية ودفن بأنگم "18 كلم جنوب وادي الناقة" في مدفن مشهور وقديم هناك يضم أخويه وأفاضل آخرين، تغمدهم الله بواسع رحمته
نقلا عن مدونة إكس ول إكس إكرك علي الفيس بوك