لم يتوقف صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، في أثناء جائحة «كورونا» عن العطاء؛ فكان يغرس شجرة هنا، ويفتتح مشروعات هناك، لا يعرف الهدوء، ولا يركن إلى السكينة. ومن يراه لا بدّ أن يقول: إنهُ أمّةٌ وحده. نعم، جعلنا نستلهم من صبره، ونتعلم من عطائه، ونستنير برؤاه، فلا تستطيع صخرة في الطريق أن توقف مسيرة العطاء، ولا تثني الأمواج العاتية مركب الثقافة عن شقّ عباب المجد.
وفي مثل هذه الأيام كان يجري الإعداد لمهرجان الشارقة للشعر العربي على قدم وساق، وكنت أسابق الخطى للتواصل مع الشعراء، عبر بيت الشعر في دائرة الثقافة بالشارقة، في أجواء شعرية حقيقية، ومن ثم التنسيق ووضع جدول زمني للأمسيات والندوات، حيث العلاقة المفتوحة مع الشعراء والنقاد والإعلاميين؛ ولأن إمارة الشارقة دائماً تختصر الزمن، وتمتلك القدرة الفائقة على تجاوز المحن، فقد ظلت العلاقة قائمة مع مبدعي الشعر رغم الجائحة، حيث نعيش دائماً مهرجانات شعرية عبر النشر للمبدعين، في المطبوعات الثقافية، ومن ثم التواصل مع النقاد في حركة دائبة. لكن أجواء يناير، جعلتني أعود إلى ما قبل الجائحة والحركة الشعرية التي لم تتوقف قط، ف«كوفيد 19» حاول تعطيل الحياة ووضع العراقيل، لكن شارقة الحلم لا تعرف المستحيل، ودائماً تختار المواقيت المناسبة، وتعطي مساحة لتظل العلاقة بين الشعراء والجمهور دائماً في مدار متّسع؛ فهنا تنمو أشجار الإبداع، ونعيش حقيقة راسخة مفادها أن لا شيء يمكن أن يتعطل في محيط الإبداع الشعري، وكل أنماط الأدب بوجه عام.
لقد كنا في مثل هذه الأيام نعيش وقتاً استثنائياً مع روّاد الشعر ومع شباب المبدعين وكذلك النقاد، ونحتفل معهم بميلاد قصائد جديدة، ونسترجع الأشعار التي حلّقت بهم إلى آفاق الشهرة، وأعتقد أننا في حاجة إلى تأريخ هذه المرحلة شعرياً عبر ازدهار حركة النقد، ومن ثم تتبّع الشعر الجيد والكتابة عنه.
وأعود إلى ما بدأت من أن الشارقة دائماً تعمل عبر منطلقات راسخة، وأن المهرجانات الشعرية التي تقام على أرضها في المواقيت الملائمة، هي جزء أصيل من حركة الإبداع في عالمنا العربي.
ومما يدعو إلى الفخر، أن المشروعات الثقافية لا تتوقف في الشارقة، فقد افتتح بيت الحكمة على نسق متطور وسامق، وهذا دليل على أن مثل هذه المبادرات المدروسة، هدفها خدمة الحياة الإبداعية العربية، فقد أعادنا بيت الحكمة بنسقه الحالي إلى عصر الكلمة.. عصر الكتاب بما يحمل من ذخائر المعرفة، لنتعايش مع واحة فسيحة من عوالم فكرية لا حصر لها، فهذا البيت الذي وجه به المثقف الحاكم، يحمل في طياته الخير الكثير، خصوصاً أنه يحتوي على ثروة ضخمة من الأفكار والثقافات الإنسانية، ونحن جميعاً في أمسّ الحاجة إلى هذا النتاج الضخم من العلوم والمعارف؛ فالتاريخ العربي كله يشهد لهذه المبادرة التي تمتلك القدرة على بناء العقول، وتحفظ للأجيال ميراثاً كبيراً من العلم الذي ترتقي به الأمم.
فشكراً لسلطان الثقافة والمعرفة والانفتاح.