وصف أحد المثقفين الاعلام الفــاسد بأنه :
محاولة إقناع الـناس بأن رجلًا "أخرسَ" قال لرجل "أطرش" بأن رجلًا "أعمي" شاهدَ رجلًا "مشلولا" يركض وراء رجل "مقطوع اليدين " ليمنعه من شدِّ شَعر رَجل "أصلع."
أو بمعنى آخر : هو محاولة إقناع القراء بأكاذيب وافتراءات أملَتها نفسُ مَن ينسجها من خياله وينشرها , بهدف تزييف حقيقةٍ ,أو تلفيق تهمة ,أو طعنة من الخلف غادرة ضد شخصيات بعينها بغية تشويه صورتها أو إلحاق الأذى بها ,عن طريق تناولها بأسلوب مبتذل وغير أخلاقي أحيانا ,كمهاجمته لشخص بعينه ,أو لأحد أفراد أسرته أو لتاريخ عائلته ,أو لجهته وطائفته ,دون أن يُوجه نقدا بناءً لتصرفاته أو لسوء استغلاله لمسؤوليته وتقصيره فيها ,مما يوحي بوجود نفس خبيثة وأحقادٍ دفينة تحاول دسّ السم في العسل.
ولعلنا بحاجة اليوم ,وأكثر من أي وقت مضى , إلى وضع استراتيجيات ومبادئ أخلاقية تنظم موضوع النشر والإعلام الإلكتروني وعبثية وخطورة التدوين في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت كماردٍ انطلق من قمقمه وتحرر من قيوده ,وذلك ـ تماما ـ كقدر حاجتنا إلى ميثاق مهني لترسيخ قِيم الإعلام وضبط النشر غير المسؤول الذي يعج به الفضاء الازرق ,مما أفقد الكثير من المواد المنشورة أهميتها ومصداقيتها ,وأفرغها من محتواها ,فأغلب هذه المواد المتهافتة لا تبحث إلا عما تُشوه به الحقائق أو تحرك به الغرائز أو تثير به الشبهات والشهوات لأجل أن تستقطب أكبر عدد من المتابعين والقراء فترتفع بذلك أرباحها ومكاسبها المادية ,أو تشتهر بين الناس ,لا تبالي هل هذا الذي تنشره يوافق ثقافة الأمة وأخلاقها وموروثها أم لا يوافقه.
ومن أهم الاسباب التي أدّت إلى هذا التهافت الواقع حاليا ,وجود بيئة إعلامية "غير مُصَنَّفة" اختلط فيها الجيّد بالرديء وتساوى فيها المهنيون والدخلاء , فكان مهنة مَن لا مهنة له وموئلَ الجاهل ومقصدَ الفاشل ,حتى أصبح الاعلام كله أو جلّه ـ مع الاسف ـ يوصمُ بأنه إعلام غير مسؤول أو "إعلام أصفر".
إنني ,ومن خلال هذا المقال ,أندد بالتهجم على أية شخصية وطنية ,موالية كانت أو معارضة بأي لفظ أو معنى غيرِ لائق ,كما أدين تناول أفراد أسرها أو محيطها الاجتماعي أو معتقدِها وأسلوب تدينها ,سلفيا كان أم صوفيا أو غيرهما ,فثوابت الدين ومسلمات العقيدة وممارستهما لم يكونوا يوما موضوعا للنقاش والانتقاد والتسييس من قِبل كل مَن هب ودب.
فهذه الامور ليست من أولويات الاعلام ولا مهنياته وأخلاقه ,فالاعلام الراقي هو ما يساهم في تحقيق مصالح الامة ويُعينها على الرقي والنهوض ,لا ما يُشغل الناس في أمور لا علاقة لها بها ,وتناولًها في الأصل غير مُجدٍ ولا مُنتجٍ ,فماذا سيستفيد القارئ إذا كان مسؤولا معينا أو قائدا يقود سيارته بنفسه في الشارع أو كان متصوفا أو من جهة محددة أو ينتمي لطريقة عَقَدية ما؟
إن هذا النوع من "الاعلام المتهافت" الذي يبث كل أنواع الكذب وينشر أشكال الشبهات والوساوس والتلبيسات "الشيطانية" ,هذا الاعلام أقلق حياة الناس وقضّ مضاجعهم ،وأتعبهم نفسيًّا ,وذلك بتناوله وانشغاله المستمر بأمور لا علاقة لها بالواقع ولا تخدم مصلحة الامة ,ولا تعين على النهضة التي ننشدها جميعا.
إن الاعلام باختصار شديد هو مسألة حرية ومسئولية ومهنية , وعندما تنعدم هذه الثلاثة أو إحداها ,فلتُطلِق على الاعلام رصاصة الرحمة ,فلم يعد له دور يلعبه في حياة المجتمع.
وعندما كان الاعلام يلعب دورا مهما في السابق ,قال عنه الامبراطور نابليون بونابرت :
أخاف من ثلاثة صحف أكثر مما أخاف من مئات الآلاف من الطعنات بالرمح.
أما اليوم فقد قال عنه مثقف آخر يعيش في عصرنا اليوم :
إذا كنت لا تقرأ وسائل الاعلام فأنت جاهل، و إذا كنت تقرؤها فأنت مُضَلل وتائه.
زهراء نرجس
كاتبة وإعلامية ورئيسة تيار المسار