بيت شعر نواكشوط: ولد عبد اللطيف يحاضر عن الشعر في رمضان

جمعة, 05/17/2019 - 11:28

 

 

ألقى الأديب والكاتب الموريتاني المعروف محمد فال ولد عبد اللطيف ليلة أمس محاضرة شيقة تحت عنوان "الشعر في رمضان" وذلك بقاعدة النشاطات ببيت الشعر - نواكشوط، ووسط حضور معتبر من طرف نخبة الشعراء والمثقفين والأساتذة والكتاب الذين استمعوا إلى ولد عبد اللطيف وهو يتحدث بطرافة عن موضوع علاقة الشعراء بالشياطين الذين يصفدون في رمضان، قائلا "يبدو أن الإسلام لم يقض تماما على تلك العلاقة بل لا زالت ثمة راسبة حتى عند الشعراء الموريتانيين الآخذين بحظ من العلم والفقه"، مؤكدا أن علاقة الشعراء بالشياطين مبالغ فيها. والحق أن الشعر كلام كسائر الكلام فيه الخبيث والطيب والنير والمظلم.

وقال ولد عبد اللطيف "لا بد لنا من الاعتراف بأن الموروث الشعري الخاص برمضان والصوم لا يخلو على كثرته من ضحالة في المستوى الفني سببها القطيعة الأصلية بين الجد والهزل وبين الحقيقة والخيال".

 

وقال إن عطاءات موسم الحج منذ الجاهلية الأولى إلى صدر الاسلام كانت أغزر من عطاءات موسم الصوم حتى أن بعض الباحثين أنكر بالمرة وجود أدب خاص بشهر رمضان وشعيرة الصيام.

وأضاف لعل السبب في ذلك أن شعيرة الحج كانت متأصلة في المجتمع العربي قبل الإسلام وكانت فرصة لتبادل التجارب والأفكار والأشعار والتفاخر بالأنساب والأحساب ورؤية الأظعان والنساء الحسان فكان الحج أقرب إلى الجو الشاعري بما فيه من حل وترحال وما فيه من أيام أكل وشرب عكس الصوم فإن طابع النسك والقدسية التي يمتاز بها شهر رمضان يجعله بمعزل عن كل ذلك.

 ونبه إلى أن طباع النسك قد لا يكون عائقا دون ظهور نوع من الأدب يجمع إلى وقاره جانبا من الهزل خصوصا إذا تذكرنا أن طبيعة النسك في البيئة الحجازية التي هي الأصل والمنبع لا تعارض ظهور نوع من أدب المرح والتظرف عرف به فقهاء الحجاز وعلماؤه منذ القديم.

وقال ولد عبد اللطيف إن الأدب المتعلق بالصوم وشهر الصوم لا يكاد يوجد منه شيء يستحق هذه التسمية إلا الشيء القليل، وإنه استقرأ ما حصل عليه فخلص إلى النتائج التالية:

أولا: الأشعار التي تمجد رمضان وتحث على صيامه وقيامه وتنزيهه عما يكدر صفو قدسيته، وقال إن غالبية ما عثر عليه في هذا المجال مجهول القائل ضعيف فنيا.

ثانيا: أشعار التهانئ التي تقدم لكبار القوم، وأغلبها جيد.

وثالثا: أشعار يتذمر قائلها من فريضة الصوم على مذهب أهل المجون ومن يتظرف على مذهبهم.

ورابعا: أشعار وظف فيها الصوم لمقصد أدبي بلاغي وهذا النوع نادر وما حصلنا عليه منه جيد جدا.

اما الأدب الشنقيطي التقليدي، يضيف المحاضر، فهو عار من هذا النوع من الأدب الخاص برمضان سواء تعتلق الأمر بأي من الأنواع الأربعة السابقة.

وأوضح أن السبب في ضحالة الأدب الشنقيطي في هذا المجال، قد تعود إلى ما أسماه بـ"الورع المرابطي" المعروف موقفه من الشعر عامة وأحرى ما يستشف منه تمرد على الشرع.

فورود الصوم في الشعر الشنقيطي نادر وجله محصور على ما ورد في المراثي من كون الفقيد كان صواما قواما، كقول  ابن حامد في بعض مراثيه:

قؤوم إذا ما الصبر قر اجتيافه

صؤوم إذا ما القيظ حر اجتيابه

ومنه قول ابن الشيخ سيديا يخاطب بئرهم ميمونة السعدى:

نظل وقوفا صائمين على الظما

نخال سموم القيظ في جنبها بردا.

وتحدث ولد عبد اللطيف عن الأشعار الممجدة لرمضان، قائلا إنها استحوذت على نصيب الأسد من الأشعار الرمضانية، مقللا من قيمتها الشاعرية، ومنها قول بعضهم:

لا تجعلن رمضان شهر فكاهة

تلهيك فيه من القبيح فنونه

واعلم بأنك لن تنال ثوابه

حتى تكون تصومه وتصونه.

ومنه قول الصاحب ابن عباد:

قد تعدوا على الصيام وقالوا

حرم العبد فيه حسن العوائد

كذبوا في الصيام للمرء مهما

كان مستيقظا أتم الفوائد

موقف في النهار غير مريب

واجتماع بالليل عند المساجد.

وقال مصطفى صادق الرافعي:

فديتك زائرا في كل عام

تحيي بالسلامة والسلام

ونعمل كالغمام يفيض حينا

ويبقى بعده أثر الغمام

وكم في الناس من كلف مشوق

إليك وكم شجي مستهام.

وقول بدر شاكر السياب في ليلة القدر:

يا ليلة تفضل الأيام والحقبا

هيجت للقلب ذكرى فاغتدى لهبا

فكيف لا يغتدي نارا تطيح به

قلب يرى هرم الإسلام منقلبا

يا ليلة القدر يا ظلا نلوذ به

إن مسنا جاحم الظلماء ملتهبا

تنزل الروح رفاف بأجنحة

بيض على الكون أرخاهن أو سحبا

وللملائك تسبيح وزغردة

تكاد رناتها أن تذهل الشهبا.

 ومنه قول أحدهم:

جاء الصيام فجاء الخير أجمعه

ترتيل ذكر وتحميد وتسبيح

فالنفس تدأب في قول وفي عمل

صوم النهار وبالليل التراويح.

واستعرض المحاضر نماذج من الأشعار التي تقدم في شكل تهانئ، وهي من أجود ما قال المحاضر  إنه عثر عليه، كقول أبي بكر الصنوبري:

نلت في ذا الصيام ما ترتجيه       ووقاك الإله ما تتقيه

أنت في الناس مثل ذا الشهر في الأشهر أو مثل ليلة القدر فيه.

ويقول البحتري مهنئا الخليفة المتوكل:

بالبر صمت وأنت أفضل صائم

وبسنة الله الرضية تفطر

فانعم بعيد الفطر عيدا إنه

يوم أغر من الزمان مشهر

أظهرت عز الملك فيه بجحفل

لجب يصان الدين فيه وينصر

إلى أن يقول:

لو أن مشتاقا تكلف فوق ما

في وسعه لسعى إليك المنبرُ.

كما استعرض المحاضر نماذج من الأشعار التي يتذمر أصحابها من الصوم، كقول ابن الرومي:

شهر الصيام مبارك

ما لم يكن في شهر آب

خفت العذاب فصمته

فوقعت في نفس العذاب.

وقول آخر وكأنه مذيل لهذين البيتين:

اليوم فيه كأنه       من طوله يوم الحساب

والليل فيه كأنه      ليل التواصل والعتاب.

وقال ولد عبد اللطيف إنه لم يعثر في الأدب الشنقيطي على شيء من هذا المنوال، فقرر أن يعمر الخانة الخالية، وفق تعبيره، بمقتطفات سبق وأن قالها زمن الدراسة والتحصيل، ومنها:

يا رب إني ساكن بلدة

في رمضان ليس فيها سحور

وبصري أرجعه كرة

وكرتين لا أرى من فطور

فقوّني ربي على حمل ذا

واجعلهُ لي زيادة في الأجور.

وأخرى مثلها:

الصوم في بعض البلاد الشقا

صاحبه يؤجر إن قالا:

يبست العروق والأجر ما

ثبت والظمأ ما زالا.

وفي المحور الرابع، استفاض ولد عبد اللطيف في ذكر نماذج من الأشعار التي وظف فيها الصوم لغرض بلاغي، كقول معروف الرصافي:

ولو أنى استطعت صيام دهري

لصمتُ وكان ديدني الصيامُ

ولكن لا أصوم صيام قوم

تكاثر في فطورهم الطعامُ

وقالوا يا نهار لئن تجعنا

فإن الليل منك لنا انتقام

وناموا متخمين على امتلاء

وقد يتشجؤون وهم نيامُ

وقل للصائمين أداء فرض

ألا ما هكذا فرض الصيامُ.

ومنه قول أبي فراس يرمي أحد قرنائه بالبخل:

رأيت الفضل مكتئبا       يناغي الخبز والسمكا

فقطب حين أبصرني       ونكس رأسه وبكى

فلما أن خلفت له           بأني صائم ضحكا.

هذا، وعقب على المحاضرة عدة شعراء وأساتذة تحدثوا عن مواقف شنقيطية من البلاغة الشعرية في وصف بعض المواقف، والتي أثارت جدلا شرعيا في أزمنة سابقة، واتفق المتدخلون على الإشادة بعطاء وبشخصية المحاضر محمد فال ولد عبد اللطيف وسعة علمه وتحقيق السبق الأدبي بمؤلفاته الشعرية والسردية.