هل يملك المرء وهو يطوف أزقة المدينة العتيقة بـ( فاس ) غير أن يبكي ويرثي ويتألم؛ خصوصا إذا ما صادفت الحال حال نفسه المكلومة بحاضر مفجع ومستقبل معلق بين السماء والأرض!
لساكني المدينة القديمة كل الحق في أن يتشبثوا بالجدران المتهاوية، والأزقة الضيقة، والظروف الحياتية التي يصفها العصريون بالصعبة ؛ فما هم إلا جزء من ذلك البلا وبعض من ذلك الفناء المطبق من كل الجهات!
ما الذي يضير لو أن أحدهم دفن تحت تلك الأنقاض؟! لا شيء على الإطلاق! إنه الخلود الأبدي! ذلك ما استشعرته وأنا بـ( فاس ) القديمة، ولعل مما زاد في حدة شعوري هو أن ذلك الشبل ( مسقط رأسي: ولاته) هو فعلا من هذا الأسد ( فاس )!
نفس الأزقة، نفس الأبواب، نفس التصميم الهندسي! قلت لمرافقي: لو أن زوجتي كانت معي هنا لدقت أحد هذه الأبواب وأصرت على أنه بيتنا في ولاته!
ليست هذه بمقدمة لقصيدة؛ وإنما هي دمعة غلبتني فلم أنجح في لجمها!
فاس.. يا فاس هل عرفت فتاك؟
أم تراه من البعاد ســــــــــــــــلاك؟!
هل تذكرت؟ هل ذكرت زمانـــا
كان منك، وكان زين صبـــــــــــاك؟
من تراني أكون: سيف قديــــم؟
أم كتاب تداولته يــــــــــــــــداك؟
أم تواشيح لحنتها الليالـــــــــي
فهي سكرى، من الهيام شــواك؟!
مستغيث؟ أم مستغاث تمطـــــى
صهوة الدهر واستجاب نــــداك؟!
كيف أنسى، وكيف تنسين عهدا
قد قطعناه فوق فوق السمـــــــاك!
ما نسيتُ، ومانسيتِ، ولكــــــن
فرَّق الشمل والصفوف عـــــــداك
فاس.. يا فاس هل عرفت فتــاك
جاء يسعى وفي الوفاض هـــــواك
أرهفي السمع.. أنصتي للقوافــي
مرسلات، على الديار بـــــــــواك
يا زمان الوصال والوصل هــلا
عدت يوما، وهل أعود كــــــذاك!
يا حصونا، ويا قبابا تحــــــــدت
أعصر الجهل والليالي الحـــــلاك
أسمعيني بحق ذكراك لحــــــــنا
سرمديا، تقدست راحتــــــــــــاك
هدهديني وكفكفي الدمع منـــــي
إن جرحي من جرح تلك الشبـاك
فاس.. يا فاس هل عرفت فتــاك
قد توارى وضاع بين العـــــراك!
صار رمزا من الرموز وبنــــدا
لا يساوي مقدار عود الســـــواك!!
إيه يا فاس لو عرفت بــــــحالي
لا اعتراك من الجوى ما اعتراك!
ها أنا اليوم قد بسطت كتـــــابي
فاقرئيه لعل فيه شـــــــــــــــفاك!!
فاس المحروسة، سنة 2000