د. عبد الله امون (*)
هبطت الطائرة القادمة من سنغفورة في مطار بانكوك الدولي المعروف باسم ( SUVARNABHUMI) قبيل الثانية عشرة ليلا متاخرة بنصف ساعة عن الموعد المحدد
عبرت سريعا منطقة الجوازات واستلمت حقيبتي من أحد احزمة الأمتعة وواصلت الطريق نحو البوابة المؤدية إلى سيارات الأجرة
تفاجأت بأن الحصول على سيارة أجرة يتطلب أخذ رقم والجلوس فيما يشبه قاعة الإنتظار إلى حين النداء على الرقم المستلم، مما يعني أن عدد سيارات الأجرة قليل مقارنة بعدد الواصلين.
أخذت رقمي وانتظرت دوري، بعد ربع ساعة تقريبا نودي على رقمي لأصعد سيارة الأجرة التي كانت نظيفة رغم انتمائها إلى طراز قديم.
كان السائق رجلا نحيفا ونشيطا، التقط حقيبتي وو ضعها في السيارة وفتح لي الباب قائلا: تفضل سيدي، سلمته العنوان SWAN HOTEL) ، 31 Charoen Krung منطقة Bang Rak يانكوك)، أدار العداد وانطلق عبر الشارع شبه الفارغ من السيارات بسبب تأخر الوقت.
كان السائق يقطع صمت الرحلة من حين لآخر بجملة من الإنجليزية الركيكة متسائلا حينا عن بلد المنشأ، وعن جهة القدوم وبرنامج الإقامة في بانكوك أحيانا أخرى.
كنت متعبا من جراء مسافات طويلة قطعتها خلال الثمان والأربعين ساعة التي سبقت وصولى إلى بانكوك، كانت الساعة تقارب الواحدة صباحا وكانت زخات مطر تجلد الشوارع من حين لأخر فما يكاد نظام الصرف الصحي يبتلع ما جاد به ضرع السماء حتى تباغته زخة أخرى ليبدأ في الرضاعة من جديد.
وقفت السيارة امام بوابة الفندق فنزل السائق و ما كاد يخرج الحقيبة حتى وصل عامل استقبال خارجي تابع للفندق فاستلم منه الحقيبة وحال بمظلة كان يحملها بيني وبين زخات المطر، حاسبت السائق الذي انصرف إلى حال سبيله ودخلت صحبة العامل إلى ردهة استقبال الفندق.
كان فندق SWAN ذو الطوابق الثلاثة فندقا متواضعا ينتمي إلى فئة الثلاث نجوم، وقد وقع اختياري عليه بحكم قربه من أحد اكبر مساجد بانكوك وهو مسجد الشيخ هارون.
توضأت ونزلت من غرفتي لأحدد مكان المسجد بدل البحث عنه قبيل صلاة الفجر، سالت الإستعلامات فأرشدني احدهم قائلا: المسجد في هذا الإتجاه
كانت الساعة قد شارفت على الواحدة صباحا وكانت السماء الملبدة بالغيم تأخذ استراحة محارب - من غسل المدينة- لن تستمر طويلا
عبرت الشارع الضيق- أحث الخطى- في الإتجاه الذي أشار إليه موظف الإستقبال.
إنزاحت عتمة الليل عبر إضاءة الشارع الخافتة عن امراتين تمشيان الهوينا في تلك الساعة المتأخرة من الليل، كانتا ترتديان جلبابين أسودين وتلبسان حجابا ذا طابع إسلامي.
بدى الأمر في أوله كأنه نوع من التوهم غير المنطقي
بدأت أقترب منهما، نأكدت أن الأمر حقيقة وليس خيال ظلال، كانت التضاريس الخلفية لجسديهما المكتنزين وسط الجلابيب غير الفضفاضة تشي بأنهما ليستا من ذلك البلد بل ليستا من تلك القارة، إنها تضاريس أجساد النسوة الإفريقيات اللائي نشأن وتربين على الأطعمة الدسمة والتوابل الحارة.
نعم، كنا في رمضان وكنت في طريقي إلى المسجد لكن التظرة الأولى – ومن دون قصد – تمكن أحيانا من معرفة تفاصيل المنظور إليه، حتى لو لم يأخذ الناظر بمذهب بعض أهل "المحصر"
لكن متى كانت أزقة بانكوك مكانا للمسبلات المحجبات أعقاب الليالي، بانكوك هي عاصمة بيع اللحوم البيضاء العارية، هي مركز الشهوة والغواية ، هي أحد أهم مراكز الباحثين عن متعة الجسد المنقادين لهمزات الشيطان
دفعني الفضول للإقتراب منهن فالتفتتا استجابة لخسخسة نعال هذا المتسكع آخر الليل. بادرتهما بالسؤال قائلا: أين المسجد القريب من هنا: قالت إحداهما: هو امامك على بعد خطوات.
وفعلا بعد خطوات وصلت إلى المسجد، كان بعض الرجال يتناثرون في باحته الخارجية، فمن قائم يصلى و منكب على مصحفه ورافع بديه إلى السماء بالدعاء، قلت في نفسي والله لا خوف على هذا الدين، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال للصحابة في إحدى لحظات الشدة والضيق ( ليبلغن هذا الدين مابلغ الليل والنهار)
كان المسجد مكونا من طابقين، حيث يقع مكان الصلاة الرئيسي في الطابق الأول، بينما تقع توسعة للمصلى ومركز لتحفيظ القرأن في الطابق الأرضي.
صليت العشاء قصرا وعدت إلى الفندق فلم يكن يفصلنا عن صلاة الفجر أكثر من ثلاث ساعات.
في الصف الأول من المصلين كان هناك ما يقارب عدد أصابع اليد من الأفارقة ذوي الملامح المألوفة، وقد اصطحب بعضهم معه أطفاله. تذكرت المرأتين فعرفت أن هناك شبه جالية إفريقية صغيرة تستوطن تلك المنطقة التائية من جنوب شرق آسيا.
سلمت على من كان بجانبي منهم وكان اسمه "موسى جاوارا" لأعرف في لقاء جمعني معه بعد صلاة العصر أنه كغيره من أولئك الرجال فدموا إلى تايلاند من جمهورية مالي منذ تسعينيات القرن الماضي، وانهم يعملون في مجال تجارة الأحجار الكريمة وبمعنى أدق " تجارة الخرَزْ" الشائعة في دول غرب إفريقيا.
لم يسمح ضيق الوقت بتلبيتي لدعوة السيد "موسي" إلى الإفطار فقد كانت لدي التزامات كثيرة وكان علي أن اغادر مدينة الخطايا تلك خلال يومين.
(*) شاعر وكاتب موريتاني