استغرب العديد من مدوني الفيسبوك الموريتانيين كيف للاتحاد الأوروبي أن يسلم 250 رأسا من الأبل للجمالة التابعة للحرس الوطني الموريتاني، فما دام الأمر كذلك لا يستبعد أن تعطينا الصين غدا رواحل عبيدية، أو تبعث لنا البرازيل ألواحا من آگلال، أو تعطينا اليابان منحا لتعلم السيگ ودمراو وظامت.
ما كان الحكيم ديلول التباري رحمه الله، وهو المشهور بمعرفة تنمية الإبل، يظن أن الأوروبيين سيعطوننا الإبل، خصوصا أنه بعدما أسن قام ليلة وعليه فروة فجفلت منه الإبل فقال: "ما كنَّا انجفلُ الابل". وكان رحمه الله سئل عن أجود ما تأكله الإبل، فقال: المرعى الذي بين السماء والأرض يعني خرُّوب الطلح. قيل له: ثم ماذا؟ قال: ورق الطلح. قيل فماذا قال لحاؤه. قيل له أيهما أجود الطلح أم آسْكَافْ (نبت من الحمض)؟ قال: آسكاف مرعي فصل واحد والطلح مرعي السنة كلها.
وكان يحلب نوقه مع المغرب ويقول: "كافي انهار من طول العتمَه"، أي يكفي النهار من طول العتمة. واشتهر عنه قوله رحمه الله: "لمعيز انياگ الِّ ابلاَ انياگ"، أي أن المعز نياق من لا نياق له. وهو يذكر بقول امرئ القيس:
أَلا إِن لم تَكُن إِبِلٌ فَمِعزى ۞ كَأَنَّ قُرونَ جُلَّتِها العِصِيُّ
وَجادَ لَها الرَبيعُ بِواقِصاتٍ ۞ فَآرامٍ وَجادَ لَها الوَلِيُّ
إِذا مُشَّت حَوالِبُها أَرَنَّت ۞ كَأَنَّ الحَيَّ صَبَّحَهُم نَعِيُّ
تَروحُ كَأَنَّها مِمّا أَصابَت ۞ مُعَلَّقَةٌ بِأَحقَيها الدُلِيُّ
فَتوسِعُ أَهلَها أَقِطاً وَسَمنًا ۞ وَحَسبُكَ مِن غِنى شِبعٌ وَرِيُّ
قال ابن خلدون في مقدمته: "أكل العربُ الإبلَ فأخذوا منها الغيرةَ والغلظةَ، وأكل الأتراك الخيولَ فأخذوا منها الشراسةَ والقوةَ".
وقد قال أولاد ادليم المعروفون بأصالة إبلهم وجمالها فكأنها عصافير النعمان بن المنذر، قالوا: "أوفينَا من الإبل أمنين عاد ينگالهَا شامو"، أي chameaux وهو اسمها باللغة الفرنسية. وكان لملك العرب بالحيرة النعمان بن المنذر إبل كريمة نجيبة فيها فحل يسمى عصفورا، وقد أولدها فسميت عصافير النّعمان. قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: ما حَسَدْت أَحداً حَسَدي للنابغة حين أَمَرَ له النعمانُ بن المنذر بمائة ناقة برِيشِها من عَصافِيرِه وحُسَامٍ وآنِيةٍ من فضة؛ وقوله: بريشها كان عليها رِيشٌ ليعلم أَنها من عطايا الملوك.
*الصورة: جمالة موريتانيون يجوبون شوارع مدينة فينسين (Vincennes) بضواحي باريس الشرقية خلال معرض أقيم هناك سنة 1931.