نظم في مقره يوم 22 يناير 2020 الجاري ندوة علمية بعنوان اشكالية التراث والحداثة ، وقد تميزت هذه الندوة بمحاضرة قيمة القاها المفكر العربي الدكتور رضوان السيد وعقب عليها كل من الدكتور محمد البشاري وعدد واسع من الباحثيين والاكادميين الموريتانيين المشتغلين بالحقل الفلسفي اساسا، الذين أثراو بمداخلاتهم وتعقيباتهم وتساؤلاتهم هذه الندوة .
وكانت محاضرة دكتور رضوان السيد مثيرة في مضامينها ؛ حيث تناولت اشكالا قديما جديدا يتعلق بموضوع العلاقة بين التراث والحداثة ؛ مؤكدا في بداية حديثه ان اهتمامه بهذا الموضوع يعود لمراحل دراساته الاكاديمية الاولى في المانيا وانه نشر فيه الكثير من البحوث والدراسات التي يرى انها اعتمدت مقاربة اختلفت كليا عن معظم االمقاربات والاهتمامات الفكرية العربية حول هذه الاشكالية؛ وذلك حين لم ير في التراث اي مشكل يستوجب كل هذا التناقض المثار بينه والحداثة؛ منوها في نفس الوقت الى ان الدراسات الحديثة ادركت اخيرا ان مقاربته كانت الاكثر صوابا من حيث عدم تسليمها بمقولة الانحطاط التي وصم بها التاريخ الاسلامي على مدار عشرة قرون حسب ما تراه كل المقاربات الاخرى؛ ومؤكدا في هذا الخصوص أن الدراسات الحديث حول التاريخ الاوروبي هي الاخرى اصبحت تتجه الى تكذيب مقولة العصور الوسطى . وبخصوص نقضه لطروحات المفكرين العرب بدْأً من المدرسة السلفية مع محمد عبده وشكيب ارسلان وغيرههم ومرورا بطروحات زعماء التيارين: اليساري من امثال طيب تيزيني ومحمد اركون والجابري من جهة والاسلامي باطرافه المختلفة من سلفيين ويساريين وصحويين ، كلهم يقول اخطأوا في مقارباتهم المنهجية والتصورية ، حول طبيعة العلاقة بين التراث والحداثة .
وذلك حين لم ير اصحاب اليسار سوى ضرورة الانفصال والقطيعة مع هذا التراث متشبثين في عمومهم بالقول بتاريخيته وبعدم قدرة هذا التراث حسب معظمهم على تقديم حلول ناجعة لمشكلات الانسان المعاصر ؛ بينما كان راي اصحاب التيارات الاسلامية هو في ضرورة القفز على المدونات التفسيرية والفقهية والعودة الى ما اسماه هشام اجعيط بالفترة الرحمية ؛ اي حقبة اعمال المصدرين الاساسيين الكتاب والسنة ؛ باعتبار ما عداهما هو مجرد اراء واجتهادات مرتبطة بسياقها الزماني والمكاني ؛ وبالمحصلة اصبح موقف هذين التيارين من هذا التراث الاسلامي متماثلا الى حد كبيرا ، مما دفع دكتور رضوان الى القول بأنه اذا موقف التيار اليساري من التراث يتسم بالضلال ؛ فإن موقف التيارات الاسلام على اختلافها اكثر ضلالا منه .
وعموما كانت امسية فكرية بامتياز استطاعت ان تثير النقاش حول مسأل ظلت ولا تزال موضوع جدل علمي وفكري واسع ؛ بين مختلف التيارات الفكرية والسياسية ليس فقط على مستوى المنطقتين العربية والاسلامية وإنما كذلك على مستوى الكثير من المشتغلين بحقل التراسات الثقافية في المجتمعات الاخرى وخاصة الغربية منها .