(1)
لم يعرف إن كان بقي مستيقظا أم أنه نام و استيقظ فجاة تعب بالغ و خور غريب و فقدان أي نشاط في جسمه..
تجسس وجهه و باقي جسمه .. اطمأن لوجود كل شيء في مكانه ..
حاول أن يتمطى على السرير فلم يستطع .. يتناهي إلى سمعه المشوش من بعيد أنين ممض كاحتكاك بطيء بين قطعتي معدن ..
خامره شعور عجز عن فهمه .. قشعريرة كالحمى تجوب جسده .. اراد أن يسعل لولا جفاف حلقه و خلو صدره من الهواء حتى آلة الصوت معطلة تماما .. خامره شك إن كان ما يزال حيا ..
لم يستطع ان يستبين شيئا في الظلمة المطبقة .. تحامل و جلس ليسقط بعنف على الأرضية ..
زحف يبحث عن أي شيء يمكن أن يكون مصدرا للنور .. لو عرفت الوقت لفهمت كل شيء .. إن السر يكمن في الزمن" قال ذلك متفلسفا
تلمس هاتفه النقال ما يزال في جيبه و بقي لحظات يضرب أزراره بلا فائدة .. زحف بجانب السرير .. وقعت يده على "الأورديناتير" ما يزال يتثاءب على المنضدة لكن بلا روح .. تبا لقد هجر النور هذا الكوكب المسكين ..
تمتم بألفاظ غير مركبة "حضارة .. عقل .. غلبة .. تفوق .. إعجاز .. عظمة ...."
تخيل انه يبتسم بمرارة و هو يسند راسه إلى حافة السرير ....
(2)
تحسس عينيه .. استغرب أنهما منفتحتان .. حاول غمضَهما .. الأنين و الصفير يأتيان من داخله و ليس من الخارج .. تمنى أن يفقد بقية حواسه ..
عادت القشعريرة مع هبة سَرَبَت إلى داخل نفسه من غير جهة ..
تصور أنه تحامل و غلَّق النوافذ و أخلد إلى ما يشبه الفناء
انتفض لذرات ضوء ساخنة تستقر على جبينه الصاغر ثم تتلاشى في الغاسق البهيم ..
غمغمة تتجسد كتلا ملونة غضبى كفوران الأنواء الملبدة بتربة حمراء تملأ السجف و تقتلع الأشياء من منابتها .. ثم تنجلي عن خيوط رفيعة تتسلل من الثقوب و تتجمع غيمة تدور حولها هالة كالمجرة المنتظمة .. يمد يديه يكاد يمسك بها ثم يرتكس كأنما هوت به ريح في مكان سحيق ..
تعود الخيوط الذرات و تتشكل من جديد أديما ينداح بلا نهاية يأخذ شكل قبة السماء تنتثر عليها ملايين الذرات المضيئة .. ثم تصبح القبة قُمعا هائلا يشفط تلك الذرات الحروف.