مرت على هذا المصحف الشريف ألف سنة وخمسون عاماً، وما يزال محتفظاً ببهائه وجماله، يغالب القرون والأزمان.
إنه "مصحف ابن البواب"؛ ذلك الخطاط الذي يتردد اسمه في تاريخ الخط العربي، بوصفه أبرز الوارثين لإمام الخط ابن مقلة البغدادي.
يمتاز مصحف ابن البواب بميزات كثيرة، فقد كان إلى عهد قريب يعد أقدم مصحف كامل مضبوط على طريقة الخليل بن أحمد، قبل أن يُكتشف مصحف "المخلِّصي"، الذي يسبقه بمدة غير طويلة. وتبقى لمصحف ابن البواب ميزاته الخاصة؛ منها جودة الخط وجمال الزخرفة والتصميم.
المصحف من مقتنيات مكتبة جستربيتي في المملكة المتحدة، وقد قامت حديثاً بنشره كاملاً على موقعها، ضمن مجموعة مختارة من الآثار الإسلامية التي تملكها. ويمكنك مطالعة الصفحات بدقة عالية، كما يمكن تنزيله كاملاً بصيغة (بدف).
ضُبط المصحف بما يوافق قراءة أبي عمرو بن العلاء البصري، أما الرسم فقد جرى فيه على مذهب الباقلاني الذي أجاز كتابة المصاحف بالرسم القياسي، وهو ما جرت عليه مصاحف المشارقة غالباً.
ومن غرائب الضبط التي اتبعها، التزامه ما يعرف بـ"الرقم"، وهو وضع علامات للحروف المهملة، كالحاء والسين والعين والصاد. وهي طريقة كانت متبعة أكثر في مخطوطات الحديث؛ توخياً للمزيد من الدقة.
أما في جانب "الخط"؛ فقد كتب بقلم ذي قَطة مستوية غير محرَّفة؛ ويبدو أنه في منزلة وسطى بين الخط الريحاني وخط النسخ.. وهما اللذان ستكتب بهما أغلب المصاحف في العصور اللاحقة.
_______
(*) شاعر ومثقف وفقية موريتاني مقيم بالإمارات العربية المتحدة