مقتطف من رواية "وأبكت كورونا ألعاب القصباء"

جمعة, 06/26/2020 - 12:09

محمد ولد محمد سالم

 

اليوم الأول:

نحن في منتصف مارس وقد مضى أسبوع على بدء إجازة الربيع المدرسية في الإمارات، التي قُدّمت هذا العام عن ما كان مبرمجا لها، بسبب جائحة كورونا - كوفيد19، التي بدأ تجتاح العالم، وظهرت منها حالات في الإمارات، فاتخذت وزارة التربية والتعليم إجراء احترازيا لكي لا ينتشر الوباء في صفوف طلاب المدارس، وكان خالد مثله مثل جميع الأطفال مزهوا بتلك الإجازة التي سمحت له أخيرا بأوقات طويلة من اللعب كانت أيام الدراسة تحرمه منها، ومرت الأيام الأولى جميلة.. كان ينزل كل صباح من شقتهم في "برج الروز1" المطل على القصباء، فيلعب هو وأصدقاؤه الكرة، أو يتسابقون على دراجاتهم، وفي بعض الأحيان يقومون بجولات استطلاعية في المكان من حولهم، وفي المساء يدخلون منطقة القصباء ليتسابقوا على ممشى القناة، ويؤدوا حركات احترافية على دراجاتهم، أو يشتروا تذاكر لدخول جناح الألعاب هناك، وأثناء ذلك كانت لديهم أوقات يلعبون فيها الغميضة بين السيارات المركونة حول العمارة أو على سلالم العمارة، ولا يفوّتون أوقاتا أخرى ينزلون فيها إلى الطابق "H"، حيث قاعة التدريب الرياضي، فيتسللون إليها، لكي يمارسوا شغفهم باللعب والعبث بالآلات والأدوات الرياضية المختلفة، وذلك حين لا يكون هناك من يردعهم، وغالبا ما يتسنى لهم ذلك في الأيام المخصصة للنساء، حيث تتساهل النساء مع الأطفال، وتتحمل لغطهم وجنونهم أكثر من الرجال.

بدأ خالد يوم الأحد في الأسبوع الثاني من إجازة الربيع، بحبور وسعادة، ورغم أن أمه أصبحت في الأيام الأخيرة تحذره من كثرة الخروج، وتحرّج عليه في ذلك في بعض الأحيان، إلا أنه لا يزال لا يكترث كثيرا بنصائحها، وفي ذلك اليوم كان يفكر في يوم عريض من اللعب، سيبدأه في الصباح بكرة القدم مع أصدقائه، وفي المساء سوف يدخل منطقة الألعاب في القصباء ليتمتع بذلك الكم المتنوع من الألعاب.. استيقظ في التاسعة تقريبا.. أطل من نافذة الغرفة.. لا تزال الساحة خالية والحركة ضئيلة.

خرج من غرفته، ووجد باب غرفة أبويه مواربا، فتسلل إلى داخلها بهدوء كي لا يوقظ أمه، التقط جهازه اللوحي من فوق الطاولة، وكان أبوه يأخذ منه هو وأخته سمية جهازيهما عند الساعة العاشرة من كل مساء، حتى لا يسهرا عليهما.

عاد إلى سريره، وبدأ يلعب بجهازه، انهمك ساعة ثم قام ونظر من النافذة، لم ير أحدا من زملائه قد نزل، فاستغرب.. الساعة تقترب من العاشرة ولا أحد من الأطفال في الساحة.. قرر أن ينزل ليستطلع المكان تحت العمارة، وعاد إلى غرفة أبويه ليلتقط مفتاح الشقة.. استيقظت أمه على حركته، ورفعت رأسها، فرأته يلتقط المفتاح، فقالت له:

- إلى أين تذهب؟

- سأخرج قليلا لألتقي بصديقي عمور.

- أما قلت لك أن الخروج أصبح خطيرا في هذه الظروف:

- لن أختلط بأحد، سوف ننزل للساحة ونلعب وحدنا لوقت قصير ثم نعود

- انتظر حتى تفطر.

- سوف أشرب كأسا من الحليب

- ألا تريد أن تأكل الأومليت.

- بلى أريدها.. لكن حين أعود.

- إذا تأخرت في الإفطار فسوف يدخل وقت الغداء وأنت شبعان، ولن تستطيع أن تتغدى.

- لن أتأخر، سوف ألعب قليلا ريثما تعدينها.

صب نصف كأس من الحليب وشربه وخرج.. سمعت أمه صوت الباب يفتح الباب ويغلق، فتمتمت:

- بسم الله الرحمن الرحيم.. اللهم احفظه من بين يديه، ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله.. لا حول ولا قوة إلا بالله.

ونفثت إلى الجهة التي فيها الباب، كأنما تلحق به ذلك الدعاء.. يقلقها أن ينزل إلى الشارع في هذه الظروف، لكنها لا تملك شيئا أمام إصراره، ولا تريد أن تكسر خاطره، وهو يرى أصدقاءه يلعبون في الساحة.. طمأنت نفسها بأن الساحة فارغة، ولن يختلطوا بأحد من من يمكن أن ينقل لهم العدوى.