خُيولُكِ لم يَثنِ اللجامُ لها عِنْدا
ولا قبِلتْ أنْ تَعلُكَ الحَربَ والحِقدا
تُعانقُ من أرضِ المُرُوجِ نقاءَها
و تَلبسُ أثوابا مُطرزةً وَردا
جَميلةَ شكلٍ لم يرَ الحسنُ مثلَها
و لا أبصرَ الراؤون عُرفا و لا قَدا
تَسيرُ على مَرْجٍ تَفَتّقَ زهرهُ
وقد تَرشفُ الأزهارُ بالعَرَقِ الخُلدا
إذا عاينتْ غُصْنا من البانِ راقَها
تَمايُسُ هزَّاتٍ تُقلِّدُها قَصدا
لقد كَمُلتْ أوصافُها فانقسامُها
و ألوانُها نَسْجٌ تَفيجُ به رَغْدا
تَصُفُّ صُفوفا بالجَمال تَفتّقتْ
كأشطارِ سَطرٍ تَرسمُ النَّظمَ والسَّردا
و ألوانُها لم يَخدشِ الدَّهرُ حُسنَها
مُرصعةٌ نَسْجا مُذهَّبةٌ عِقدا
قوائمُها مَصفوفَةٌ بانتصابِها
إذا صَفنتْ حِينا و إن وَقفَتْ رَصْدا
و تَمشي على الأنغامِ يَعزفُ لَحنَها
وُرودُ هواءٍ يَحملُ الذِّكرَ و المَجدا
——
حَوَافرُها لا تقطعُ النبتَ إن جَرَتْ
ولا تعرفُ الأغصانُ في لمسِها بُعدا
إذا وَرَدتْ ماءَ الشَّراب تَحلَّقَتْ
كأهدابِ أَحْداقٍ مُصفَّفَةٍ سَدَّا
و تَشربُ من ماءِ الجَمالِ و عُرفُها
يَهزُّ بهاءً يَجلبُ الطِّيبَ و البَردا
وتَنظرُ من بعضِ العيونِ إلى المدى
لتمنحـَهُ عهدا يُعيدُ لهُ السَّعدا
كأن حِسانَ الحُورِ في المَرجِ جُمِّعتْ
و أن جِنانا قد أراقتْ به الشُّهدا
إذا افترقتْ لا يُعْكِرُ الماءَ جَريُها
و لا تُنثَرُ الغبراءُ في مَشيها حَشْدا
رأتني على تلٍ أُراقِبُ عَدوَهــا
فما خالفتْ نَسْجا و لا قاربت وَخْدا
و كنتُ أرى لوحاتِ مَسرحِ ناظمٍ
يُرصِّعُ بالأحجارِ في نَظمِهِ العِقدا
فما التَفتتْ إلا قليلا و لم تَذرْ
تَرانِيمَها أن تَتركَ الجَمعَ و الفَردا
إذا عاودتْ جَرْيا تَخُطُّ بجَريِهــا
خُطوطَ النَّدى جَمْعا وتُبعدها عَمدا
——
و إن وَقفتْ تُعطي الرؤوسَ لبعضِها
مُعانِقَةً نِدًّا مُسَرِّحةً جَعْـدا
تُطيلُ عِناقا بالوُقوفِ كأنها
تَنامُ ،و هُدبُ العَينِ مُنفرجٌ سُهدا
يَهابُ شُعاعُ الشَّمسِ هُدبَ عُيونِها
و يَتركُها تَمتاحُ من فَروِها مَهدا
و تَرتاحُ حتى يَحسبَ الغِرُّ نَومَها
فتَرجعُ للميدانِ قافزةً نَرْدا
و تأتي بلوحاتٍ من الحُسنِ غيرَ ما
رأيتُ، و تَثني الجِيدِ مُلهبةً وَجْدا
فما سَمعتْ صَوتَ اللجامِ و سَوطَه
وما صَاحَ فيها فارسٌ يَحملُ الرِّفدا
تَنامُ على الأزهارِ مِلءَ عُيونِها
و تصحو متى شاءت مُنعَّمَةً غِمدا
هناكَ صَهيلُ الخيلِ لحْنٌ و نَغمةٌ
و ليسَ صُياحا، مَن يُصيحُ لها جُرْدا؟
تُقلِّبُ ظَهرا في النَّباتِ تَهُزُّه
فيمنحُها التَّسريحَ والمسحَ و النَّدَّا
رأيتُ بمَرجِ الخيلِ أطيافَ جَنَّةٍ
و حُسْنا على آثارهِ ألثُمُ العَهْدا.