قال الأكاديمي الموريتاني السيد ولد اباه إن "أزمة الدراسات الإسلامية في الجامعات العربية ناتجة عن إقصاء تدريس الفلسفة في كليات ومعاهد العلوم الشرعية".
مضيفا أنها "حالة شاذة لا مبرر لها، باعتبار أن علوم الشريعة تداخلت تاريخياً مع الفلسفة وارتبطت معها وثيق الارتباط".
وبين ولد اباه، في مقال أسبوعي بصحيفة "الاتحاد" الإماراتية نشره اليوم، أن التداخل والترابط بين علوم الشريعة والفلسفة "يبدو جليا في علوم الدين الثلاثة الأساسية: علم الكلام والفقه والتصوف".
وحمل ولد اباه، وهو أستاذ سابق للفلسفة بجامعة انواكشوط، من سماهم "جماعات الإسلام السياسي والحركات السلفية الراديكالية"، مسؤولية ضعف تدريس علم الكلام إلى حد الإلغاء.
وأوضح ولد اباه أن علم الكلام "قام منذ نشأته الأولى في تداخل كثيف مع الفلسفة، حيث إن الأنساق الثلاثة الأولى في الفلسفة الإسلامية (الكندي وثابت بن قرة وأبو بكر الرازي) كانت أعمالا فلسفية - كلامية، كما أن الكتابات الكلامية الأولى لم تكن بمعزل عن النصوص الفلسفية اليونانية وبصفة خاصة محاورة «التيماوس» الإفلاطونية التي هي أول منظومة كوسمولوجية قرأها ونقدها المتكلمون. وفي حين كانت إلهيات ابن سينا صياغة فلسفية رصينة للحدوس الكلامية في الطبيعة والوجود، فإن علم الكلام اتجه بعد اللحظة السينوية إلى ما سماه ابن خلدون بعلم الكلام الفلسفي الذي ميّز الأشعرية المتأخرة (منذ الجويني والغزالي إلى الرازي والشهرستاني). وهكذا أصبحت الفلسفة حاضرة بقوة في العلم الذي يتعلق بأصول الاعتقاد والإيمان".
وأردف ولد اباه أن "الفقه، الذي يتعلق بأحكام التكليف وضوابط العبادة، لا يخلو من التأثير الفلسفي، خصوصاً في علم أصول الفقه الذي اعتبره مصطفى عبد الرازق المظهر الأقوى للتجربة الفلسفية الإسلامية. وغني عن البيان أن علماء الأصول قد ساهموا بقوة في فلسفة اللغة من خلال مباحث الدلالة، كما أنهم اعتمدوا منذ الجويني والغزالي المنطق الأرسطي الذي هو خلاصة العقل الفلسفي اليوناني، وانتهوا في العصور الوسيطة المتأخرة إلى نظرية المقاصد والضرورات التي تؤسس لنظرية فلسفية عميقة في الأخلاقيات والقانون الطبيعي".
أما التصوف الذي هو علم التربية والسلوك فقد مر بمرحلتين: مرحلة التجربة الروحية الزهدية والذوقية التي تعبر عنها كتب «قوت القلوب» و«آداب السلوك» إلى المرحلة الثانية التي سعى فيها كبار المتصوفة الفلاسفة إلى صياغة هذه التجربة الروحية الأخلاقية باصطلاحات ومفاهيم فلسفية، بعضها مبتكر من داخل السجل التداولي الإسلامي وبعضها مستمد من الفلسفة اليونانية، كما هو جلي في أعمال ابن سبعين وابن عربي الحاتمي وعبد الكريم الجيلي".
وخلص ولد اباه، الذي كان يتحدث في سياق إقرار الإمارات والسعودية تدريس الفلسفة ابتداء من العام الجديد، إلى "أن الفلسفة ليست نبتة غريبة في التراث الإسلامي، كما يدعي المتعصبون المؤدلجون، بل إن ابن رشد - وهو الفقيه القاضي والأصولي الفيلسوف - يفتي بوجوب تعلّمها على من له الأهلية والقدرة لأنها عين الحكمة، التي هي الوجه الآخر للشريعة".
وحذر ولد اباه من "أن أغلب أقسام الدراسات الإسلامية في الجامعات العربية أصابها في العقود الأخيرة تأثير الأيديولوجيات الإسلاموية التي اجتهدت في تجريد علوم الدين من عمقها الفلسفي، فتم القضاء على علم الكلام واستبدل بأدبيات «التصور الإسلامي» الهزيلة (سيد قطب ومحمد قطب..)، في حين تم الهجوم على القياس المنطقي في الأصول، وحُجِّمت أطروحة المقاصد لتصبح مجرد أداة أيديولوجية من أدوات «إسلامية المعرفة». أما التصوف الفلسفي فقد نُبذ بشدة واعتبر هرطقةً وإلحاداً في الدين".
وختم ولد اباه مقاله بأن "إعادة الاعتبار للفلسفة لا تعني الاكتفاءَ بالنصوص والمراجع الفلسفية القديمة في نسخها اليونانية والإسلامية، بل لا بد من تدريس الفلسفات الحديثة في أقسام الدراسات الإسلامية، وخصوصاً في المجالات ذات الصلة المباشرة بالدين، مثل فلسفات التأويل والأخلاق والقانون والسياسة، التي توفر لطالب الدراسات الشرعية عُدةً تأويلية رصينة وتغرس لديه القيم العقلانية النقدية التي لا بد منها لتجديد الدين وانفتاح الثقافة الإسلامية على العصر الحاضر".