طيلة عقودٍ من الزمن اعتُبرت ديمي بنت آبه (1958-2011) الفنانة الأبرز في الساحة الموريتانية. فكما أن لكلّ شعبٍ فناناً مفضلاّ لديه، والأكثر شعبية من بين فنانيه، فقد كانت ديمي الفنان الأبرز لدى الموريتانيين، الأغلب على أذواقهم سماعه، والأميل أرواحهم للانجذاب إليه.
لطالما بدا أنّ هناك هالة من نوعٍ ما تصبغ اسمها وتطبعه، بل وتنحو به أحياناً منحىً الأسطرة التي تتداخلَ مع مزايا معينة في شخصيتها. مع ذلك فالمؤكّد أن الموهبة التي تمتّعت بها ديمي طيلة مسارها الفني، والتي كانت باعثاً أساسياً على تشّكل تلك الهالة وصناعتها، ما كانت لتكون علامةً فارقة لولا الإرث الفني الوطيد الذي تستند له.
كان حضور ديمي البارز في المشهد الموسيقي – الغنائي بموريتانيا لافتاً للانتباه، فبالرغم أنّه توجد في موريتانيا فئة فنية مستقلة أنيطت بها وظيفة الغناء والعزف ضمن تقاسم الأدوار التقليدي في المجتمع، إلاّ أنّ ديمي، التي تنتمي لأسرةٍ متميزة في هذه الفئة، قد تمكّنت أكثر من غيرها من اكتساب صفة الفنية بعيداً عن أصلها الفئوي. فهي وإن كانت قد تعلّمت قواعد الغناء والعزف وتدربت عليهما ضمن محيطها الأسري، على حسب تقليد النشأة القائم محلياً، إلاّ أنّ بروزها الفنيّ اتسم بالاستقلالية في سياق مدينة نواكشوط الواعدة حضرياً.
نواكشوط كدندنة على أغنية لديمي
تماماً كما أنّ أم كلثوم قد قدمت من خارج القاهرة، فقد قدمت ديمي أيضاً من خارج نواكشوط. لكن قدوم الأولى ليس كقدوم الثانية. فإن كانت أم كلثوم ستأتي إلى القاهرة من خارجها، فإنها قد ظلّت على هامشها، على الضدّ منها فنياً كمدينة، غريبةً عليها لا علاقة لها بمعالمها الحديثة، بل وتلقى فيها الشعور بالغربة والإهانة کأيّ ريفي مهاجر. أما ديمي فإن كانت قد قدمت على نواكشوط إلا أنها، وبحكم سياقه التأسيسي حين قدومها عليه، قد انخرطت بكل حيويّة ومشاركة في بناء حياته اليومية بإعطائها ملمحاً فنياً متميّزاً كانت في أمسّ الحاجة له.
ديمي بنت آبه إذاً هي منجزٌ ما لمدينة نواكشوط، وابنةُ دولتها الوطنية المُعبّرة عنها فنياً، الحاملة لتطلعاتها بالنهوض، المستفيدة من إمكانيتها المادية. علاقتها بنواكشوط، كعاصمة ناشئة لدولةٍ ما بعد استعمارية، ليست بالعلاقة العادية أبداً. فنواكشوط كان دائماً حاضراً في تجربتها الفنية، كامناً في ثنياها، ومحققاً لصلتها بجمهورها، وأهمّ من ذلك فهي قد واكبت حركة تطّوره وتوسعه، وكانت في صميمها بحيث تشهد ارتفاع مبانيه، وشقّ/تعبيد طرقه، واكتظاظ أحيائه. أغنية بعد أغنية ظلّ مشوراها الفنيّ مترافقاً مع نموّ المدينة وتأسيسها.
لقد أتت ديمي لنواكشوط أوّل مرة في العام 1967، أي بعد حدث الاستقلال الوطني بسبع سنوات، وكان قدومها ذلك برفقة أسرتها، أسرة الفنان سيداتي ولد آبه - عرّاب حدث الاستقلال الوطني فنياً. في تلك الفترة كان نواكشوط في بداية نشأته، فلم يكن عمرانياً قد امتدّ وتطوّر، وكانت الساكنة فيه قليلة جداً وموزّعة بين مسؤولي الدولة وإدارييها حينذاك وقلةٌ من المواطنين.
كان قدوم أسرة ديمي للمدينة بداية بروز طابعٍ جديدٍ سيكونَ له التأثير الأكبر لاحقاً في تأسيس هوية مدينة نواكشوط الحضريّة، والتي لا يمكن فصلها أبداً عن غناء ديمي وحضورها الفني.
ويعود السبب في استحالة الفصل بين ترسّخ هوية نواكشوط الحضرية مع غناء ديمي وحضورها إلى الأسلوب الذي اعتمدته الفنانة مع بداية قدومها على المدينة. فديمي، وبوصفها فنانةً قادمة من مدينة تكانت، جاءت إلى نواكشوط وهي في بدايةِ طفولتها، ولهذا فقد كانت نشأتها عملياً فيه، بكل ما يعنيه ذلك من اكتساب طريقةَ التفكيرِ والممارسة والتعوّد عليهما في المدينة، ومن ثم مخالطة السكان القادمين من أماكنَ مختلفة والتواصل معهم.
هذه النشأةَ ستعزّز من تصوّر ديمي لنواكشوط كمدينة جامعة، متعدّدة، ووطنية. فنواكشوط التي هي عاصمة البلد، ستغدو أيضاً عاصمة الفنّ والموسقى لدى ديمي. ودون أن يعني ذلك أنّ نشاطها الفني كانَ مقصوراً عليها، أو لا ينطلق إلاّ منها، فقد عنَى أساساً أنّ ديمي قد وجدت في نواكشوط فضاءً مساعداً على تحقيق متطلباتِ الفنّ المتعددة، وبالإمكان تلمّس معنًى لممارسة الفن فيه. فالبقاء في نواكشوط يعني أن تكونَ: قريباً من العالم الحديث وفي خضم تطوّراته ومكتسباته، وفي الوقت ذاته قريباً من عالمَ الأصالةِ البدوية.
هل هذا ما كانه نواكشوط في تصوّر ديمي؟ على ما يبدو أنّ الهجانة التي كانتَ تتمثل في نواكشوط، على نحوٍ يجعله يتراوح بين المديني الحديث والبدويّ الأصيل، هي السبب في أنّه شكّل لدى ديمي الفضاءَ الأنسب لممارسة هوايتها. فنواكشوط كانَ فعلاً في بدايته مدينةً شبه بدوية، إنْ لم يكن العكس. وحتّى نهاية عقد السبعيناتِ، حينما كانت ديمي تخطو خطوتها الأولى نحو الاحترافِ، كان نواكشوط ما يزالُ في صورتهِ العمرانية متواضعاً، فعدا مؤسساتِ الدولة وإداراتها الكبرى والمباني الرسمية، كان باقي المدينة خافتاً، ضئيلاً وطامساً، لا أثرَ لضخامة التمدّن وتعقيده فيه.
من منطلق تصوّر نواكشوط هجيناً، أي محتوياً لإمكانيةِ تجسيد المدينة ونقيضها في ذات الوقت، لعبت ديمي دوراً فريداً، فمن جهةٍ لم تجسّد دور فنّانِ المدينة – العاصمة حصراً، أي ذلك الفنان صاحب الذّات الحديثة، المكتفي بمنجزاتِ الحداثة الموسيقية، غير العابئ بتراث وتقاليدَ مجتمعه الفنية. ومن جهةٍ ثانية لم تُجسّد فنان البادية، المهوسِ بالبقاءِ فيها، والمكتفي بتقاليدِها، الضاربَ بعرض الحائط كلّ ما هو وافدٌ عليها.
لقد امتنعت ديمي، منذ البداية، عن تجسيد أحد الدورين حصراً. فتركيزها كانَ على الدمج بينهما، والبحث عن سبيلٍ لتلاقيهما دونَ ابتذال. هكذا بدا واضحا لها كفنانة تنتمي أصلاً لتگانت، ذات التقاليد الفنية الرفيعة، وفي ذات الوقت تعيش بحكمِ حاضرها في نواكشوط، العاصمة السائرة في طريق التطوّر، أنْ لا مناصَ من الوقوف على درجةٍ من التساوي بين المجالين. وفي هذه الحالة كانت فنانةً جمعت بين عالمَ المدينة وعالم البادية، توسطّتهما بذكاء، وأخذت من كلّ واحدٍ منهما ما يمكنُ أن يدمجَ مع جزءٍ من الآخر، وبذا تيّسر لها أن تُبعد نفسها عن الانغلاق في قالب واحدٍ منهما، بكل اختزالية.
لكنّ المدهش هو أن رفضها للعب دور فنان المدينة، المحدّد بالصفات السالفة، لم يمنعها من أن تظلّ الفنان الأبرز اسماً وأسلوباً في المدينة، ذلك أنها استطاعت أن تكون دون منازع فنانة نواكشوط الأهم، التي تتصدّر ساحته الفنية، وتُحدث التأثير الأكبر فيه. فطيلة حوالي الخمسين سنة من عمرها الذي قضته في نواكشوط ظلّت ديمي بنت آبه الفنانة التي تُعبّرعن جوّ نواكشوط وتعكسُ تحولاته كطريقتها المميزة في الانتماء إليه.
صياغة الوطنية الموريتانية فنيا
ليس غريباً أن تكونَ أشهر أغاني ديمي هي أغاني وطنيةً. فديمي هي ابنةُ ملحن النشيد الوطني الموريتاني، وأوّل من غنّى للإصلاحات والأحداث الكبرى والدها العميد: سيداتي ولد آبه. ومن والدها، الذي تعلّمت منه كيفيّة الغناء المدفوعِ بالهم الوطني، اكتسبت ديمي القدرة على تكوينَ مفهومٍ وطنيّ لموريتانيا في أغانيها. وكما أنّ والدها سيداتي قد صار نجم الإذاعة الوطنية، إبان عقد الستينات، ووجد فيها وسيلةً لتبليغ فنه ونشر أغانيه الوطنية، فإنّ ديمي بدورها قد صارت نجمة التلفزة الوطنية إبان عقدي الثمانينات والتسعينات، واعتبرتها الوسيلة الأهمّ لنشر أغانيها الوطنية وتحقيق شهرتها.
عندما تغني ديمي أغنية وطنية، في محتواها، تكون بذلك تمارس نوعاً من الانتماء. كلّ أغانيها الوطنية هي طريقةٌ في الانتماء إلى موريتانيا التي تصورتها «وطنا»، له خلفياتٌ تاريخية عظمى، ويستند لثقافة عالية، ويسكنه شعبٌ عظيم وصامد. تصوّرها لموريتانيا كـ«وطن»، على ذلك النحو، مرتبطٌ باستحضار المقومات التاريخيّة والثقافية للشعب والهوية. إن الوطنية عند ديمي في ارتباطها بالمقومات التاريخية والثقافية للهوية هي وطنيّة متخيلة، مرتبطة أساساً بالماضي وأمجاده ومصاعبه، بيد أنّ ذلك لم يجعلها عديم صلة بالحاضر، فديمي حين كانت تستدعي الأبعاد التاريخية والثقافية للهوية، من أجل أن تصوغ فنياً الوطنية الموريتانية، إنما كانت تفعل ذلك في سياق الحاضر ومتطلباته السياسية والاستراتيجية.
تعدّ أغنية «ريشة الفن» التي غنّت ديمي في وسط السبعينات، وكان الشاعر أحمدو ولد عبد القادر أبدع كلماتها، أبرز مثالٍ على الصوغ الفني للهوية الوطنية وربطه بالحاضر وتحديّاته. مثلها، تعد أغنية «نشيد الأرض»، التي غنّت ديمي في نفس الفترة، وأبدع كلماتها الشاعر فاضل ولد أمين، مثالاً آخر على محاولة الإشارة للمقومات الثقافية والتاريخية للأرض وساكنتها.
الأغنيتان في إشارتهما للماضي كأساس للهوية الوطنية تنظران لموريتانيا كدولةٍ ناشئة نظرةً رومانسية، استلهامية. فعرضُ مقوّمات الأرض الثقافية والتاريخية، وإضفاء الطابع الملحمي على السكان وعلاقتهم بأرضهم، يبقى ضرورياً للإلهام وتكوينَ مفهومٍ للهوية الوطنية الناشئة.
في سيّاق سنوات السبعينات حينما كانت الجدالاتُ الحركية حول ضرورة تتمة الاستقلال، والمضي فيه قدماً، طاغيةً على المشهد السياسي الموريتاني، أبدعت ديمي أبرز أغانيها ذات الطابع الوطني، فكان غناؤها تلك الأغاني مشاركةً فنية فاعلة، وبدايةً حقيقيّة لتأسيس الأغنية الوطنية في موريتانيا.
ذلك ما اتضّح مع أغانٍ أخرى بعد ذلك كـ«موريتان امبارك عليك الاستقلال» و«موريتانيا هي وطني»، وهي أغاني عبّرت عن أفكار تلك الفترة ونقاشاتها، وتضمّنت نوعاً من الحس القومي الاحتفاليّ من جهة، ومن جهة أخرى تضمّنت نزوعاً إلى تصوّر موريتانيا من زاوية الحكم السياسي القائم حينذاك، أي نظام معاوية ولد الطايع، الذي ركّز نظامه على إبراز الطابع العروبي لهوية البلد المحلية.
ديمي الطائعية: «من مثله سيّدٌ»
إن ديمي هي مرحلة تاريخية. طورٌ ربما أمكن القول أُصيغت فيه محلياً تخيّلات ومشاعر شعبية بالغة الطرافة والتميّز. يبدو هذا واضحاً إن نحن طالعنا تاريخ موريتانيا الممتّد على مدار عقود الثمانينات والتسعينات وحتى سنوات الألفية الأولى.
لقد كرّست ديمي نفسها، كفنانة أصيلة، في هذه الفترة بالتحديد. وكان ذلك في عهد ولد الطائع الذي كانت سلطويّته الممزوجة بنزعةٍ تقليدية غير موجّهة، ميزة نظامه. ظهور ديمي مع السنوات الأولى لنظام معاوية كان ملفتاً. فولد الطائع، ورغم أنه لم يكن عند قدومه في حاجةٍ كبيرة لكسب شرعيةٍ شعبية، كان على ما يبدو مهتماً بمسألة صياغة نفسه رمزياً، وتوطيد ذات متخيّلة عنه، في الوسط الشعبي. وهنا حضرت ديمي، الفنانة الحضريّة الواعدة، التي كان نشاطها العمومي في أوّجه.
حضورها اللاّفت كاسم يومئذ، لا يمكن الجزم أنه جاء نتيجة اختيار رسميّ عالٍ، بيد أنه بالتأكيد لم يكن عفوياً ولا صدفوياً لدرجة توحي أنه كانت تعوزها الأسباب والميزات الفنية والطبقيّة ليقع عليها الاختيار لمهمة من هذا القبيل: أن يتكرّس ولد الطائع، أي يصير قائداً عظيماً.
في الذاكرة الموريتانية المعاصرة صورة ولد الطائع تُتأمّل على وقع غناء ديمي. فالأغاني التي غنّت له ما تزال إلى اليوم حيّة في ذهن مستمعيها ومناصريه. لقد جعلته جماهيرياً، رئيساً ملحمياً، شخصيةً عظمى، والأهم جعلته قابلاً ليكون موضوع أغانٍ جميلة يمكن لشخصٍ لا يناصره أن يسمعها دائماً. ولعلّ هذه الخاصية الأخيرة هي أهم تحوّل أحدثه غناء ديمي لولد الطائع. فبالرغم من مجد السلطة وخيلاءها، كان غناء ديمي لولد الطائع أساسياً في تطبيع صورته في أذهان المواطنين، وإحاطته بهالةٍ عظيمة بوصفه ذلك القائد الاستثنائي العابر ببلده أمواج التحديات والأزمات.
فحين افتتح معاوية حملة القضاء على محو الأميّة، تلك الخطوة الجبارة أيامئذٍ، كانت ديمي أبرز فنان غنّى لها، وواكب أنشطتها، وبالرغم أن كثيرين غنوا لتلك الحملة، وانخرطوا فيها فنيا، إلا أن ديمي دون غيرها جسّدت نوعاً من التماهي مع مطلب الحملة وشعارها. وفيما بعد ستغدو حملة محو الأمية، التي جيّش لها ولد الطائع مسؤوليه وداعميه، معبّرةً عنه في غناء ديمي، إذ تحضر كصفةٍ لازمة له: القائد المهموم بتعليمِ وتوعية شعبه، صاحب الكتاب، الدّاعي للتسلّح بالمعارف.
مثلاً، تشكّل أغنية «اتسلحوا بالمعارف» أبرز أغنية لديمي عبّرت عن طموحات ولد الطائع في محاربة الأمية والدعوة للتعلّم. فبإتيانها في سياق السعي الطائعي للدعاية إلى للتعلّم كبداية للنهوض، كانت هذه الأغنية أهمّ محطات غناء ديمي لولد الطائع، في تعبيرها عن مرحلتها، ونقلِ أجوائها، واستطاعت ديمي من خلالها إظهار دور الفنان وعلاقته بالسلطة السياسية ومشاريعها الموجهة.
لقد اكتمل تبلور فنيّة ديمي في عصر ولد الطائع. فطيلة حوالي عشرين سنة، قضاها ولد الطائع في الحكم، بلغ مستوى ديمي ذروته. ويمكن القول أنّ أهمّ مرحلةٍ في مسيرة ديمي الفنية هي المرحلة الطائعية التي كانت فيها على صلةٍ شديدة بالنخبة المؤثرة، خصوصاً نخبة نظام ولد الطائع، التي تعدّ ديمي فنانتها الأهم، وفوق ذلك فنانة النظام الطائعي نفسه، المعبّرة عن قضاياه، ورهاناته، وتمثلاته.
ولإن كانت ديمي استفادت من مناخِ التواصل والعلاقات في تلك الفترة، ووّظفته لصالح صناعة اسمها المتفرّد، وتجريب وصقل مهاراتها، فإن النظام الطائعي أيضا، استفاد هو الآخر جيّداً من موهبة ديمي ومهارتها الفنية في ترميز شخص ولد الطائع وخلع هالة عليه. وممّا يبدو فإن الهالة التي أضفت ديمي بغنائها عليه لم يكن الغرض منها أن يكون مرهوباً، بل محبوباً أكثر.
في الفرضية الشهيرة أنه: إذا كان صاحبُ السلطة مرهوباً في الغالب، فإنه نادراً ما يكون محبوباً لدى مواطنيه. ولكي يصير محبوباً لا بد له من تجاوز الدعاية البسيطة، وآلياتها الرتيبة، إلى شيء لا يحتاج جهداً ليصل للوجدان. هل هناك ما هو أقرب إلى الوجدان من صوت عذب؟ لقد اجتمعت لولد الطائع تلك إلى هذه، فكان مرهوباً، ومحبوباً أيضاً. وبالتأكيد فإن من أهم الأسباب التي جعلته محبوباً لدى الناس أنّ ديمي غنّت له، وتصدّرت في عهده، وارتبط ذكرها العمومي به.
في تاريخ الدولة الموريتانية الحديثة ليس هناك حاكم خُصّصت له أغان دعائية غير ولد الطائع، فقبله لم تعرف الأغاني السياسية المكرسة لمدح رئيس الدولة، كما لم يعرف فناناً، فيما عدا ديمي، كرّس أغانٍ لمدح رئيس دولة، كان هو. عند التأمل في هذه المسألة يظهر أن هناك سياقاً تفاعلياً كان وراء هذه الحالة التي ترجع إلى الأذهان نموذج مطرب الأمير/الزعيم القبلي في التقليد الأهلي المحلي، ومع ذلك تبقى أغاني ديمي لولد الطائع مهمةً في دلالتها على ذلك الزمن وروحه.
على الدمين