شاعر ومثقف موريتاني
من إحدى نوافذ غرفتي بالطابق الرابع والعشرين بفندق Marriott Şişli بمدينة اسطنبول، القيت نظرة على المدينة التي ترتجف من البرد تحت وطأة زخات الثلج المتعاقبة
من النظرة الأولى لم الحظ غير اللحاف الأبيض الكثيف الذي يدثر الأفق مد البصر كأنه فرو دب قطبي
لكنني بعد إرجاع البصر لاحظت شيئا آخر قطع حبل أفكاري البيضاء وفتح علي بابا آخر من التأمل في عالم لم نصله بعد وإن كنا نحث الخطى نحوه كل يوم
كانت النافذة مطلة مباشرة على مقبرة "شيشلي" الأرمنية
إنها قطعة من عالم البرزخ يسكنها ناس من مختلف الأعمار والأحناس كانوا يشغلون مختلف أنواع الأعمال والوظائف التي يكابدها حاليا مشاريع الأموات وأصحاب الجنائز المؤجلة.
إنها صورة مصغرة عن المصير الذي ينتظر 7 مليارات تستعمر حاليا هذا الكويكب العجيب المسمى بالأرض.
بين أسوار المقبرة وحسب المعلومات المنشورة عن المتوارين تحت الواح الرخام والقرميد هناك على سبيل المثال:
هوفانيس أرشاروني - بطريرك القسطنطينية الأرمني.
زابل سبيل أسدور - كاتب.
يغيا دمير - شاعر.
هاكوب ديلاكار - لغوي.
ماركار إيسايان - صحفي وسياسي.
هاروتيون هنسيان - موسيقي.
غاربيس استانبولغلو - لاعب كرة قدم.
سيفاج باليكجي - جندي.
توتو كاراجا - ممثلة.
ماري جيركميزيان - نحات.
سيمون أغوبيان - دهان.
مشاهير وأشخاص عاديون، أغنياء وفقراء، طموحون وكسلاء، هناك من حقق كثيرا من أحلامه وهناك من باغته الأجل وما زال يخطط ممسكا بحبل الأمل.
رجال ونساء ناجحون في حياتهم، عملوا فجمعوا من متاع الفانية، أحبوا وتزوجوا وأنجبوا ليرحلوا تاركين حسرة في قلوب من خلفوا وراءهم.
فاشلون أفنوا أعمارهم بين ركلات الليالي وصفعات الأيام، طحنهم الدهر تحت أقدامه الخشنة فرحلوا ولما يقضوا وطرا من خضراء الدمن.
وحده الموت يجمع كل من تحت أديم تلك القطعة المغطاة بوشاح أبيض كالكفن وكأنما أراد الشتاء تذكير الأحياء بالزي الموحد الأموات.
الجو خارج الأجداث بارد حد التجمد، لكن ما هو يا ترى الوضع تحت تلك الطبقة الرقيقة التي تحجب ملامح عالم أولئك الراحلين؟
لا شك أنهم الآن قد تبينوا الرشد من الغي وانكشف عنهم الغطاء فبصر كل منهم حديد
اللهم إنك تعلم أننا لم نتجهز للرحيل بعد وأن زادنا لا يبلغنا ما نصبوا إليه
اللهم بارك لنا في أعمارنا وأعمالنا واقبضنا - بعد طول عمر في طاعة و عافية - وأنت راض عنا.