السيد ولد اباه
أعلن في نواكشوط عن رحيل أحد أبرز بناة الدولة الموريتانية ومؤسسيها احمد ولد محمد صالح ،الذي كان طيلة العهد المدني الأول أقرب شخصية للرئيس المختار ولد داداه رحمه الله.
جمع الراحل بين أصالة الانتماء للبلد وثقافته وقيمه من جهة وقوة الشخصية السياسية والإدارية من جهة أخرى، فكان من أنجح وابرع رجال الدولة في موريتانيا الحديثة إلى حد ان الرئيس ولد داداه كان بخاطبه في الرسائل الإدارية بلفظة compé المختصرة لمقولة compétence التي تعني بالفرنسية الكفاءة العالية.
بعد فترة قضاها في التدريس والترجمة ،تولى الراحل أهم الوظائف الإدارية في البلاد وفي مقدمتها حقيبة الداخلية التي تولاها سنوات طويلة ،فكان بحق مؤسس التقاليد الإدارية الحديثة في البلد ورجل المهمات الصعبة في لحظات المحنة والتأزم ..
ومع أن الفقيد كان شديد الإيمان بضرورة بناء مؤسسات قوية للدولة تجنبها الاضطراب والفتنة ولكنه كان في الآن نفسه شديد الإيمان بالحوار والانفتاح السياسي ،فتولى الجانب الأكبر من مهمات التفاوض مع القوى السياسية المعارضة من حركة النهضة إلى الشباب القومي واليساري في السبعينيات وكان يكرر لمحاوريه دوما أن البلاد تسع الجميع وتحتاج للكل بيد انها تستقطب وتحتضن ولا تذوب أو تتحلل..
ومع أن الراحل تولى أساسا الملفات الإدارية والداخلية وشؤون العدل والقضاء ، إلا أنه كان المبعوث الشخصي للرئيس ولد داداه إلى الخارج في اللحظات الحاسمة ،فربط صلات قوية بالملكين الحسن الثاني وفيصل بن عبد العزيز ،وبالرئيس السنغالي الاسبق سنغور ..وكانت مؤهلاته الحوارية وشخصيته الهادئة المتزنة وقدراته التعبيرية الرصينة، كفيلة بتسوية كل الازمات والغيوم وليس المشكل الحدودي بين موريتانيا والسنغال عام ١٩٧٥ الا مثالا جليا على هذه الحقيقة الساطعة .
عندما قام انقلاب ١٠ يوليو ١٩٧٨ كان المرحوم احمد ولد محمد صالح ( الذي عادة ما يتولى تسيير الشؤون الجارية خلال غياب الرئيس ولد داداه في رحلاته الكثيرة إلى الخارج ) من بين الوزراء الذين تم اعتقالهم، وقد قضى في الاعتقال قرابة السنة الكاملة..وعندما خرج من المعتقل اعتزل السياسة واشتغل بخاصة شؤونه وان لم يستنكف عن الشؤون العامة فكان له دور فاعل مذكور في دعم النشاط الزراعي في الضفة الجنوبية.
لقد حافظ الفقيد إلى آخر يوم من حياته على خصال رجل الدولة المتمسك بأعلى قيم الوطنية والإخلاص لأمته ، مع الاستقامة الدينية والوظيفية في أسمى معانيها ..وبرحيله تفقد موريتانيا اليوم رجلا من طينة خاصة ،كان أثره بالغا في بناء الدولة وشد لحمة المجتمع والدفاع عن مصالح الوطن ..
رحم الله أحمد ولد محمد صالح وانا لله وانا اليه راجعون.