
عودة إلى الوليتين الداوديتين/ عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة
سألني عدد من الإخوة عن تفصيلات أكثر عن الداوديتين، فالجواب أنهما تنسبان إلى أولاد داود القبيلة الحسانية المعروفة، وأن أمرهما متواتر مشهور بين أهل هذه الناحية من البلاد. أما المكتوب عنهما فمنحصر فيما كتبه الولي العلامة المؤرخ محمد بن أحمد يوره ونصه: "وعند مرجع سانيها [أي بئر انتفاشيت] بل وراءه بغلوة [نحو 200م] قبر الداوديتين اللتين قيل إنهما حجتا على مدق من الحجارة. وانتفاشيت أصله بالبربرية أن تافاشيذ وشيذ الكثيب الأبيض". وقد حدد فيما قاله موقع القبرين بدقة العارف بحقيقتهما وموضعهما. وهذه البئر انطمست الآن ولكن موقعها معروف، كما أن الضريحين ما زالا بارزين.
وما كتبه بول مارتي، ونصه:
"puits abondant auprès duquel se trouve un grand cimetière où l'on remarque la tombe du saint Ahmed Fal ben Mohammed Fal, des Id Eigoub, et le mausolée des deux femmes des Oulad Daoud qui firent le pélerinage de La Mecque sur un pilon"
وترجمته: "بئر غزيرة المياه توجد بجوارها مقبرة كبيرة، حيث يلاحظ فيها قبر الولي أحمد فال بن محمد فال من بني اديقب، وضريح امرأتين من أولاد داود قامتا بالحج إلى مكة على مدق".
ويروى عن العالم السالك بن النونو أن الداوديتين اختارتا تلك البقعة للتبتل والعبادة بعدما كوشف لهما عن أرواح شهداء فيها. وتروى عنهما كرامات منها أنه كانت تطوف عليهما ناقة لا يعرف من أين تأتيهما تشربان من لبنها، ومنها أنه عندهما مزود عامر بالزاد أبدا لا ينفد ما فيه.
ويروى مضطردا أنه على الزائر لصالحي انتفاشيت أن يبدأ زيارته بالداوديات.. وكان شيخنا الولي محنض بابه بن امين يعظم شأنهما، ويحث على زيارتهما، وعلى تراب قبريهما اللذين كانت عليهما معالم من "تافراجيت" يعرفان بها، حتى تم تشهير موقعهما بلافتة وتسييجهما بسياج يحفظهما بجهود من الأستاذ يعقوب بن محمد موسى، وكذلك فعل للمقبرة الكبرى، ولقبر العلامة الأمين العتروسي رحمهم الله تعالى جميعا.
والراجح أنهما من أهل أواخر القرن الحادي عشر أو القرن الثاني عشر الهجري.
وأخبرني الأستاذ يعقوب بن محمد موسى عن محمد الأمين بن إسحاق عن محمد عبد الله بن حمّدي عن الشيخ بن إياهي عن الصالح الشهير ممين بن امَّين عن محمد الأمين بن العلامة المشهور محمد مولود (آده) بن أحمد فال عن أبيه محمد مولود أن الولي المرابط محمذن فال بن متالي قال إن انتفاشيت لا يدفن فيها شقي، ولذلك صار يطلق عليها اسم بقيع انتفاشيت.
وقد روى لي أحد الإخوان أنه سمع من أهل امرأة من شرق البلاد يروون أن ابنها ذهبا [في الستينات أو السبعينات] جالبا إلى إفريقيا، فباع جلبه وسافر إلى انواكشوط. ثم إن أمه لم تزل تسأل عنه وعن أخباره دون جدوى، ثم رأته في المنام، فسألته عن أمره وحاله فقال لها: إنه في جانب من الجنة يسمى انتفاشيت، فجعلت تسأل أهل انواكشوط عن انتفاشيت، حتى وجدت أمام مكتب التشغيل الذي كان موجودا في الستينات والسبعينات، وكان الناس يسمونه "مكتب تكوس" من دلها على انتفاشيت، فسافرت إليها فبحثت عن ابنها في مقبرتها فوجدته.. وهذه المقبرة اليوم فيها كثير من أهل العلم والفضل من قبائل عديدة عربا وزوايا...
وقد أخبرت اليوم أن فيها أخي وصديقي الفتى الأديب الشاعر أكرم من رأته عيني من الشباب محمد سالم بن الصوفي الذي اختطفه الموت قبل سنوات بسبب حادث سير أليم تغمده الله تعالى وسائر من في هذه المقبرة بواسع رحمته وكريم عطائه..